الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مش كل فؤاد.. فؤاد حدّاد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«البرج بحرى فى الغرام..
والقلب من جوه الصعيد..
والنيل وطن».
دول كلمتين كتبهم راجل عاشق، لا عمره شاف من الصعيد غير حر المعتقل فى الواحات، ولا عمره داق من بحرى غير لسعة البرد فى النوّة، بس عاش طول عمره خدام النيل، واسمه فؤاد حدّاد.
ماحدش طلب مننا نحفظهم، ولا نغنيهم مع وجيه عزيز وشوية بنات وولاد من المنيا، ولا خطر فى بال عم فؤاد نفسه إنه بيكتب وهو بيكتبهم، ولا إن حد هيسمعهم ويعتبرهم دستور، هو كان ماسك أزميله وعمال ينحت ومصدق إنه صاحب «فؤاد كبير بطول النيل»، وإنه حدّاد وبيشتغل، وإحنا صدقناه، وصدقنا إنه مسيحى داب فى الإسلام، مسلم شرب الإنسانية وشربت من محبته، شامى مافيش مصرى فى لونه ولا فيه مصرى فى «شاميته»، خلطة عجيبة جوه راس شاعر ملك الأبجدية، وفضل يلعب معاها لعبة العشق، لحد ما مات، مش بفعل الموت، لكن من المحبة.
ده فؤاد حداد اللى أنا أعرفه، وأعرف منه، إن مش كل فؤاد، مش كل قلب يعنى لازم يبقى قلب بيحس بجد، ويحب بجد، ويزعل بجد.
طب إيه اللى جاب سيرة عمنا فؤاد فى الضلمة الغريبة اللى مخلياك عمال تولع نور وتطفى، والطريق مش عايز يفتح قدامك، ولا حد سامع لك، ترجع بضهرك؟!
السؤال والإجابة فؤاد حداد، الراجل الوحيد اللى لا عمرى شفته، ولا أكلت معاه عيش وملح، ورابطنى بسلسلة مش عارف أفلت منها، كل ما أفكر أهج من البلد دى واشوفلى حتة تانية.
أى حد، يفكر يهج، عليه بس يسمع واحدة من المسحراتى، أو يخش يتمشى شوية كده فى الحضرة الذكية و«أول ما نبدى القول نصل ع النبى سيد ولد عدنان»!! هتلاقى نفسك عمّال تنهنه زى العيال الصغيرة، وتقول فى سرك «اللهم ما اجعله خير»، وتقوم قاريلك «عدية يس» وحادف لك كام طوبة فى وش الشيطان اللى بيوزك.
لن أهرب مما أنا فيه بفؤاد حداد، فهو رجل لا يساعدك على الهروب أبدا، لكنه يدفعك للمواجهة دفعا، هو ضد الحزن، والميوعة، والكسل، ضد النصب والجهل وشغل التلات ورقات، مش حتة حشيش تخدرك ولا حباية ترامادول تهيبرك، وتنسيك انت مين وواقف فين.
أنا الآن أستعين به فى مواجهة نفسى أولا، وفى مواجهة الذى يدعوننى إليه، هؤلاء الذين يعيشونها بمنطق «وانت مال أهلك، ادفن راسك وسط الروس وعيش».
قالها أحدهم لى، وهو يعتقد أنه فيلسوف عصره وأوانه، وأن ما ينقله عن رجل قديم لا يعرفه عن حكاية «الفقير الذى جاء بتفاحة، فلما قضمها وجدها متعفنة فألقى بها، ثم أمسك بالثانية، فوجدها كذلك فرماها، ولم تبق له سوى تفاحة فيما هو يتضور جوعا، وقبل أن يختبرها إذا ما كانت سليمة من عدمه، أوحى له عقله أن يقوم بإطفاء النور، ففعل وأكل تفاحته الأخيرة، دون أن يشعر بالعفن الذى هو فى قلبها»، ومضى صاحبى يشرح لى أهمية أن تتجاهل ذلك العفن فى طعامك حتى تعيش.
مش هكدب على حد، واقول إنى مافكرتش أطفى النور وآكل التفاح المعفن والخوخ المعفن، والكلام المعفن، مش هضحك على حد وأقول إنى رفضت وما حاولتش أسايس أمورى، فعلت للأسف ولكن بطنى مش مستحملة، ودماغى مش مستحملة، وفؤاد حداد وحده يعيدنى إلى هذه القاهرة اللعينة كلما قررت الفرار، لكنه يعيدنى إليها «نقيا، أبيض من غير سوء»، يأمرنى بألا أطفئ النور أبدا، ولا أبلع لها أو لهم أى زلط مجددا، وألا أعوم مع الأسماك الميتة لمجرد أن التيار جارف.
وحدى أقرر موضع قدمى الآن، وعلى رأى تلميذ فؤاد حداد اللى اسمه عبدالرحمن الأبنودى
«طول عمرهم عالمين..
واللى انتمى.. انتمى..
واللى انتهى.. انتهى»
ويا عم فؤاد فكرهم علشان خاطرى يمكن يفتكروا، وإن ما افتكروش، مش مهم، وإن مافهموش مش مهم، عنه ما حد فهم.
وسؤال فى ودنى
زى نبض النور
يا مصر يا سيد وأبودرويش
النيل بيجرى، ولا مابيجريش؟!
النيل بيجرى والعجل بيدور
والفجر طالع بالصنايعية
ومصر، لازم، تبقى مصرية
وكل كلمة تقولها أغنية
وكل أغنية وأمل، دستور.