مسرح العبث يتميز بأنه نتاج ظروف سياسية وعالمية كبرى، أدت بالفلاسفة المحدثين إلى التفكير فى الثوابت، هكذا تقول الموسوعة العالمية.
العبثيون هم مجموعة من الأدباء الشباب الذين تأثروا بنتائج الحروب العالمية، وتوصلوا إلى أن جميع النتائج التى نجمت عن تلك الحروب هى سلبية لأنها خلقت نفسية سيطر عليها انعدام الثقة فى الآخرين، فكان انعزال الإنسان الأوروبى وفرديته، هذا ناهيكم عن الويلات والدمار المادى الذى طال أوروبا كلها. ومن أعلام هذه المدرسة ألبير كامو، وصمويل بيكيت.
بدأ مسرح العبث ظهوره فى أوائل الخمسينات من القرن العشرين، عندما ظهر الفرنسى الموطن والأيرلندى الأصل «صمويل بيكيت» مؤلف (فى انتظار جودو) التى اتسمت بغموض الفكرة وعدم وجود عقدة تقليدية، وانعدام الحل لما عرضته المسرحية، فكانت رمزية مبهمة للغاية ولوحظ قلة عدد المسرحيين الذين مثلوها وكان الزمان والمكان محدودين تقريبًا وتركت المسرحية سؤالًا طالما راود النقاد فى البحث عن «جودو» بيكيت الذى توفى عام ١٩٨٩ تاركًا وراءه الكثير من الحديث والجدل عن جودو.
من هو؟ هل سيصل؟ متى سيصل؟ ماذا سيفعل أو يقدم؟ وحتى هذه اللحظة فإن الجدل السائد بين النقاد هو أن «جودو لن يصل».
لقد ترك صمويل بيكيت خلفه ظاهرة أدبية وفنية مهمة ومؤثرة ومثيرة للجدل اسمها العبث أو اللامعقول، وكان رائد هذه الجماعة التى ثارت على كل ما هو مألوف سائرة فى طريق العبث دون اهتمام بعامل الزمن.
ده زمن مسرح العبث الذى كان مسرحا هادفا وجادا، ولكن هل من بيكيت جديد يكتب عن عبث حكام مصر الذين تفوقوا بأفعال وليس أقوالا على كل نصوص العبث فى الأدب وحتى قلته، دون أى جدية أو هدف!.
لدينا عبث بلا توقف، وكله «شبه» وليس حقيقة، سيف اليزل طلع حارس رأفت الهجان اللى مش عارفين كان جاسوس مصرى أم إسرائيلى، تسريبات بنما تكشف مصائب ونحن نمصمص الشفايف، نعزل المستشار جنينة الذى كشف أكبر فضيحة للفساد ونأتى بآخر لديه ملفات حدث فيها ولا حرج، قتيل إيطالى والحكاية عند خالد اركب بطل التعذيب فى قسم المنتزه إسكندرية، وعشرات الروايات لا تدخل عقل طفل، شيخ الإسلام محمد حسان بياخد فى الخطبة ٣٥ ألف جنيه والسير مجدى يعقوب المسيحى الكافر بيدفع من جيبه تذكرة السفر علشان يكشف على ابنة بائع شاى، تغيير وزارى وكأنه تغيير، مثقفون يلتقون رئيس الدولة وكأنه لقاء حقيقى لكنه يشبه عالما آخر، فتاوى جديدة تأتى من العالم الآخر، بينما تفتح منارة مكتبة الإسكندرية أبوابها لكبير الكهنة، المسئول عن تفريخ كل أنواع الإرهاب من خلال الوسطية وما هى بوسطية، الإفراج عن القتلة والمحرضين بحكم القضاء وما هو بقضاء ولكنه شبه كده، فتوى من بلاد حليفة تقضى بعدم إجازة شهادة المرأة غير المحجبة، نساء دولة حليفة يطلبن إرضاع السائق الهندى حتى يتسنى لهن قيادة السيارات، دعاوى مصالحة مع القتلة، ويلعب مرة أخرى أكاديميين وما هم بذلك، عاشوا العمر خداما وسماسرة، حاملو السم فى العسل إلى جانب حق القهوة من ملايين الدولارات، وآخر يتحدث عن مصادرة حصالة طفلته، ٢ مليون فى البنك!!
ونائب يتحدث عن جزمة ابنه ثمنها ٢٠ ألف جنيه من جلد التمساح، وزيرة من بطن ساويرس تتحدث عن جواز المستثمر من فؤادة، ورئيس وزراء جاء بالصدفة، ومحافظين كل همهم شوية صور ولقاءات على الهوا بكلام زبالة لا يليق بساقط إعدادية، نعيش زمن العبث ولكنه ليس بعبث وإنما «خبل».
وحتى يكتمل العبث لا تتحدث الحكومة عن حجم ما تلقته من تمويل وكأنه حق للحكومة وجمعياتها ومحرم على المواطنين، الحديث عن الأجندات الخارجية وكأنه حقيقى، لكنه شبه كل شيء، الحكومة هى أكبر منفذ للأجندات الخارجية وعلى رأسها أجندة صندوق النقد الدولى، اقتصاد وما هو باقتصاد ولكنه يسير بقدرة لا إله إلا الله ودعاء الوالدين، تماما مثلما كسبت مصر كاس أفريقيا، ولم تدخل كأس العالم، ولأن الناس «قرفت» فلم يعد أحد يهتم بتلك المجموعة التى سوف تضع أجندة الصندوق الدولى فى المرحلة النهائية، بينما النهب بالمليارات، يسعى الحكام إلى شوية مليارات بينما هناك مئات وآلاف المليارات تحت أقدامهم بفعل الفساد المشترك بين ما يشبهون رجال الأعمال وبين ما يشبهون رجال الدولة.
وزارة جديدة وكأنه بجد، وزارة لكنها زى كل حاجة فى مصر شبه الوزارة، لم ينقصها إلا المهندس خيرت الشاطر ونجيب ساويرس وممثل عن مجموعة الخرافى حتى تصبح حقيقية.
ولأن الليلة سواد، بين أعضاء الوزارة من طبل وزمر للرئيس مرسى الذى جاء بالتزوير فى ليل المرحلة الانتقالية.
رئيس وزراء أشبه برئيس وزراء آخر علمه بعلم الاقتصاد هو الطلب والعرض والمكافآت والحوافز المستحقة على ريع لا دخل لهم فيه.
هكذا من حقه أن يختار كبير الطبالين الذين عرفهم من نقابة العاملين فى البترول، ويختاره وزيرا للقوى العاملة، وهو الذى قال فى إعلان رسمى وقع عليه، إن الاستاذ الدكتور محمد مرسى هو بطل حرب أكتوبر، هو ليس إخوانجى ولكنه عايز ياكل عيش، انتهازى حتى النخاع، وبياع وطن يا سمعان يا ابن النقابات الصفرا.
ومن بين أعضاء الوزارة من كانوا رجال السيد جمال مبارك وأعوانه.
لا ينتهى المشهد العبثى بإهداء السعودية جزيرتى تيران وصنافير، وكأننا نهديها علبة شكولاتة وليس قطعة من أرض الوطن.
وسط المعمعة لا يعرف أحد أو يتعرف أحد على من شبه حد، المهم الليلة شغالة، ولا يسأل أحد بعد الزهق من كل الأنظمة والحكام.
فى موطنى بحرى إسكندرية يقولون على ضابط المباحث إنه الحاكم، وكم تم طردى من قعدات مع «صيع» خوفا من الحاكم، بحجة أن الحاكم لابد أن يشتبه فى تلك القعدات ما دام فيها هذا الأفندى، السؤال ألا تشتبه سيادة الرئيس فيما يحدث داخل إدارتك من هؤلاء الأفندية مع «الصيع» أرباب الصناديق والأجندات الخارجية.
أخاف عليك سيادة الرئيس من الآتى.