حلم يتسرب هاربا بين الشهيق والزفير للشباب، أحاسيس لا تعبر عنها الكلمات، ولا يجد العقل مفردات تلتصق بها وتلفظها إلى الوجود، أحاسيس باهتة التقطتها الجدران والأحجار، ولم لا وهى تسبح أيضا بحمد الرحمن، أحاسيس صارت عالقة كالدخان الأسود على سماء الأكاديمية، حالة جافة من الخوف والترقب، وكلمات مختنقة فى الحلوق أين يد العون؟ أين أى شيء؟ العون بيد الله وحده، وتجف منابــــع الكلمات فى موسوعة البيانات داخل العقل صمتا وتضرعا للخالق العظيم.
عندما أرى زملائى (فى الأكاديمية وأرى هذا العبوس والتشتت على نواظرهم وداخل قلوبهم وأتحسس هذا البرود فى أيديهم أقول هذا ما ينقصنى وينقصهم غيما على غيم، وكأن الدولة أشفقت علينا من كثرة الابتسامات، فقررت أن تزيد من كرهنا من أنفسنا وخوفنا من مستقبل لا وعود له.. أحاسيس من التعجب.. مستقبل غامض وشباب سواء من الهيئة الفنية أو الإدارية يرى أحلامه تتبعثر فى هواء يوم ذى ريح عاتية.
يتوه البصر.. تزوغ نظرات العيون لنفوس حائرة قلقة على مستقبل غامض يرمى بشباكه على أكاديميــــــــة السادات عندما تطأ قدميك رصيف الشارع الذى يحتضن الأكاديمية تشعر أن نفسك يلتهمها شعورا غريبا من الألم، تشعر أنك على موعد قريب مع الفراق.. تسقط عيناك على هذا الشجر الذى لا يمتلك ذكريات فى قلبه إلا ذكرياته مع الأكاديمية، هذا الشجر يعرف كم قدم وبشر وطأت أرض هذا المكان هذا الشجر، كم رأى فخر وعلم وطلاب من كل جانب وصوب هذا الشجر كم رأت عيناه أساطين وعلماء تصول وتجول بين أرجاء القاعات، هذا الشجر العريق كم سهر الليالى إلى ساعات متأخرة من الليل فى انتظار انتهاء مناقشة ماجستير أو دكتوراه، هذا الشجر الرائع كبر فى العمر ولم يحزنه الشيب لا انقضاء الأيام ولا فقد السنين فقد ارتفع وعلا بنفس سنين عمره تاريخ الأكاديمية وتراثها ومكانتها فى القلوب، حزنا فى وريد القلب وألما يوقف المطر ويخيف السحاب.. ولكن يبقى الأمل دائما فى الحى القيوم.
قسمًا بالذى خلقنى وأنا شجرة إذا ذهب هذا المكـــــان إلى عالم الظلمات ومات فى غياهب العدم تحت أى مسمى لأطلبن الموت وأن تقطعونى إلى خشب إلى مواقد النار، وأن تموت معى ذكرياتى، فقد هان الأمس ومات اليوم ولن يتبقى منى إلا فروعا مقطعة.
إنى أتساءل وفى حيرة من أمرى عن مشاعر أساتذة أجلاء أطال الله فى أعمارهم وأدامهم الله لنا جميعا وأطال من عطائهم كانوا قد وصلوا إلى أن يكونوا رؤساء للأكاديمية فى يوم من الأيام، وأدوا أدوارهم بكل إخلاص وتركوا بصماتهم وساهموا فى وضع أكاديمية السادات فى وضعية الملاذات العلمية المرموقة، أتساءل ولى كل الحق عن المشاعر التى تعتريهم هذه الأيام، وقد صعد بهم هذا المكان وصعدوا به إلى سدة أحلامهم وتحقيق أمانيهم، أتساءل وهم يرون قمة تراثهم يؤخذ منهم بعد كل العطاء الذى قدموه.
الإنسان عندما يبنى صرحا أو يسهم فى بناء صرح مثل أكاديمية السادات فهو يعرف أن كل وجوده هنا يعيش ملأ الحياة سابحا فى عالم الوجود والعطاء هنا يشعر بالرضا ويبتسم من داخل نفسه مستحسنا إنجازاتها، مهما طال به الأمد، ثم يأتى من بعده أبناؤه يذكرون أبناءهــــــم بأن لهم جذور يفخرون بها فى وجود هذا الصرح، ويحكى جيل بعد جيل ماذا أنجز أجدادهم.
هذا من سنن الكون وتقاليد الحياة وأعمدة بناء الأرض هذه هى الحياة، أما أن يستيقظ هؤلاء الأساطين الذين قدموا الكثير لعلو هذا الصرح ولا يزالون ويجدون أن كل أعمارهم وإنجازاتهم كلها فى الحياة على المحك وعلى شفا حفرة من العبث بإلغاء اسم الأكاديمية وتحويلها إلى جامعة أهلية بلب بلب بلب ....... ماذا تتوقع أن يكون مشاعر هؤلاء الأساتذة الأكابر؟ هذا ما اسأل عنه ولنا جميعا كل الحق فى السؤال عنه، لا يا سادة هذه ليست حربا ولن يكون هناك ضحايا ولا قهر لمشاعر أناس أفاضل لا يستحقون منا إلا الفضل والعرفان بالجميل على ما قدموه لهذا الوطن ولا يزالون.
لا بد أن يكون هناك رجل رشيد فلا تزال مصر ورجالها بخير، لا بد أن يتم تقنين وتحجيم هذا العبث الغليظ القاسى القلب الذى يخلق أجيالا لا تعرف الرحمة ولا العرفان بالجميل، يخلق أجيالا لا تعرف إلا لغة الجحود ولغة الجحود لا ملاذ منها مهما مضى عليك الزمن فلها جاذبية التصاق مثل الموت لا ينجوا منها من أوجدها حتى لو ظن أنه فى حصن سحيق، فهى كأس لا بد أن يرتشف منه كل من أوجدها وسنها على الناس. فلا تعتقد أنك الآن فى موقع قوي منيع لن تطل منه عليك سطوة الزمن وقسوة الأيام واندحار الصحة وموت الخوف وخوف الموت لا والله انظر إلى آلاف السنين والجبارين والملوك كلهم فى غياهب الظلمات. لا يبقى إلا الله هذا حال الوجود.
رحمة برجال عظام خدموا ولم يبخلوا، رحمة بموظفين فقراء لا يرتجون من الله إلا مرتبا بسيطا وشعورا هامشيا بالأمان أنت تأخذه منهم الآن، رحمة بشباب يحلم بالحصول على أعلى الدرجات العلمية ويخدم الناس ويعيش عيشة آدمية بسيطة، رحمة بنا يرحمك الله أيما من تكون.
عمرا يقترب من الأربعين وتاريخا يدفع (يودفع) به إلى الحضيض ما هذا العبث والتناقض فقد علمونا أن سن الأربعين هو سن النضج والعطاء وهذا ليس علاما ولا كلاما منقولا لا يؤخذ به، إنما هى سنة الكون التى أوجدها الخالق الحكيم على الأرض، ماذا نعلم أبناءنا ألا يوجد رجل رشيد يعلمهم أن الأكاديميـــــة فتحت أبوابها لأكثر من 35 عاما من تقديم العلم والتنوير ثم تم الدفع بها تحت القضبان وحطام الأشجار.. أنعلمهم أن موظفين دولة خدموا وعاشوا وماتوا فى وهم وخيال أحمق لم يكن وجود أو أنه كيــــــان خلق ليموت ويدفن؟ من يستطيع أن يفعل هذا العبث؟ من هذا الذى يمكن أن يمتلك أى نقطة من وازع أخلاقى ويكتب حتى فى أمانيه أنه سوف ينهى أكاديمية السادات من الوجود.
ولا يحدثنى أحد عن المستويات العلمية فالأكاديمية رغم كل مشاكلها فإنها ارتقت بخريجى المعاهد الخاصة على مستوى الدراسات العليا والجميع والدولة تعرف جيدا مستوى خريج المعاهد الخاصة الذى تعتبر أكاديمية السادات بالنسبة لهم كمثل هارفاد أو اكسفورد لأى جامعة مصرية، هذا واقع وحق لا يمكن الهروب منه بإقامة المؤتمرات ولا بالخطب الرنانة عن مستوى التعليم الخاص والخدمات التى يقدمها لمصر، لا والله لم يقدم شيئا إلا فراغ من فراغ وأعداد عاطــلة بلا قوة وعلم إلا من رحم ربى.
الدولة وسيادة الوزير الذى يكافح من أجل إنهاء أكاديمية السادات كان أولى له أن يكافح من أجل الارتقاء بالتعليم الخاص الذى يدفع إلى هذه البلد بآلاف الخريجين الذين لا يصلحون لأى شيء ولا يلاموا والله.. هذا هو الذى كان يجب أن يجعل النوم يجافى سيادة الوزير وليس إزالة أكاديمية السادات التى تمتلك مقومات الدولة القوية والمستويات العلمية والخبرات المتراكمة والتاريخ والتراث.
إنى أكتب وأشعر بهذا المكان وكأنه بلدى مع أن كل تاريخى فى الأكاديمية هو 5 سنوات فقط، ولكنى أشعر أننى أكتب عن مصر، فأنا أعشق بلدى وانتقل إحساسى هذا إلى هذا المكان العريق ولا أبالغ ولا أزايد فإنى أرى شبها كبيرا بين أكاديمية السادات وبين مصر، مصر نهضة كبيرة ثم تراجع فى كل شيء، أكاديمية السادات نهضة كبيرة ثم تراجع فى كل شيء، كل من مصر وأكاديمية السادات يحتاج إلى إعادة البعث وبث الروح وليس إلى الهدم، ليتنى أستطيع أن أنقل هذا الإحساس إلى قيادات الدولة وهى تسعى إلى إعادة البعث فى هذه الأمة الآن، وأن تفعل نفس منهجية البعث والبناء وبث الروح مع أكاديمية السادات وهى تستحق والتاريخ يقول هذا.
استبشروا خيرا بالحى الذى لا يموت وعلى كل منا السعى بالشكل الذى يراه خيرا لهذا المكان، فكم من خطط أهدرت، وكم من كيد ضاع مع إرادة الله، وكم من مكر محكم دقيق ضمن له النجاح ضاع وسط عاصفة من طير أبابيل، نار تسحق من حولها، وتأتى نار الله فتأكلهم بنارهم.. سبحان الحى الذى لا يموت.
يموت كل شيء ولا يتبقى إلا الرحمن الرحيم من له الدوام والأبدية وينادى العزيز الحكيم لمن الملك اليوم فلا مجيب.. أين ملوك الدنيا وجباريها، فلا مجيب أنا الملك يوم يرث الله الأرض ومن عليها، وأخيرًا و"يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، نحن جميعا مع إرداة الله إرادة الحق والعدل ولا ملاذ لنا ولا طريق لنا غير هذا، والله إنى أجد ابتسامة أمل تعلو وجهى، والله إنى أرى طمأنينة فى نفسى عندما تذكرت أن الأمر كله بيد الله، وكنت قد نسيت وعولت الأمر كله إلى إرادة البشر (استغفر الله العظيم) ولم لا وهذا حق، والله إنى أجد بارقة أمل لمجرد ذكرى لله تعالى، وهذه بشرة خير إن شاء الله.