حين كثر اللغط بشأن جزيرتى تيران وصنافير ولاقتناعى التام وإيمانى الكامل بأن الرجل الذى تربى على عقيدة الموت من أجل ذرة رمل فى أرض الوطن لا يمكنه التنازل عن شبر واحد منه مهما كان الثمن، فإننى ومنذ اللحظة الأولى لم أترك نفسى فريسة للفتاوى التى أطلقها رواد الفيس بوك وبعض الإعلاميين الجهابذة، واكتفيت بالمتابعة لثقتى كما ذكرت فى وطنية الرجل الذى يحكمنا، وقد أدهشنى أن الملايين قد تحولوا فى ليلة وضحاها إلى خبراء وعلماء جغرافيا وملاحة وتاريخ، لدرجة أن بعضهم قد تطرق للحديث عن الجسر الذى سيربط بين السعودية ومصر واختار له مكانا آخر يرى أنه الأفضل والأنسب، والبعض الآخر تحدث عن تبعية الجزيرتين لمصر فى العصر العباسى، وآخر سمعته يتحدث عن العصر الفرعونى، أما المثير للضحك حقا فهو لجوء الإخوان إلى فيديو للرئيس عبد الناصر يتحدث فيه عن مصرية جزيرة تيران، ولجوء الثوار إلى فيديو للرئيس مبارك، وأيضا لجوء ما يطلق عليهم إعلاميا الفلول إلى مقال نشر للدكتور محمد البرادعى عن سعودية الجزيرتين، وبين الرأيين تاه المواطن الكادح البسيط، فهو يثق فى وطنية رئيسه، ويعلم أن أحد الأسباب التى حركته فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ كانت الخوف من تنازل الإخوان عن أجزاء من الوطن، ولكن ماذا يفعل وهو يشاهد إبراهيم عيسى ويوسف الحسينى وهما يقسمان على أن الجزيرتين لا علاقة لهما بالسعودية، ونفس الشيء يتكرر حين يرى محافظ جنوب سيناء السابق وهو يؤكد هذا، ثم يأتى أحد الدبلوماسيين برأى غريب، وهو أن صنافير سعودية أما تيران فهى مصرية، ورغم كل المستندات والوثائق التاريخية التى تدل بشكل قاطع وواضح على سعودية الجزيرتين وسيادة مصر عليهما باتفاق تم توقيعه فى عام ١٩٥٠ عقب وجود إسرائيل فى المنطقة، إلا أن أحدا لا يريد الاستماع إلى صوت العقل، وكل واحد يبحث عن أسانيد لإثبات رأيه، وأعتقد أن هذا الجدل المصحوب بالغضب يعود إلى المفاجأة التى أعلن بها الأمر، فمن الواضح أن أجهزة الدولة تعمل وفقا لرؤية وسياسة معينة، ولكنها لا تضع الإعلام وفق مخططاتها، ذلك لعدم وجود وزير للإعلام، ذلك المنصب الهام الذى نفتقد وجوده الآن، بينما نحن فى أحوج ما نكون إليه، علما بأن الدستور الجديد لا ينص على عدم وجود وزير للإعلام كما يدعى البعض، ففى المادة ٢١١ ينص الدستور على وجود المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وفى المادة ٢١٣ ينص على وجود الهيئة الوطنية للإعلام، ولكن هاتين المادتين لا تمنعان وجود منصب الوزير، وليكن وزير دولة يا سيادة الرئيس، لأن صاحب هذا المنصب سيضع السياسات الإعلامية للدولة، وعليك يا سيادة الرئيس أن تتذكر كيف أديرت حرب أكتوبر المجيدة، وكيف تمت تهيئة الرأى العام للحرب، فالرئيس السادات طلب خطة من وزير التموين ومن وزير الداخلية وأيضا من وزير الإعلام، وهكذا تهيأ الشعب نفسيا لقبول الحرب، ونفس الشيء تكرر قبل أن ينوى الرئيس السادات زيارة القدس، لقد مهد لذلك بنفسه حين قال فى مجلس الشعب إنه مستعد للذهاب إلى إسرائيل من أجل حقن الدماء، ثم بدأت أجهزة الإعلام فى بث أغنيات وبرامج عن السلام، وكلنا يذكر أيضا أنه فى ١٩ يناير ٧٧ وعقب اندلاع المظاهرات المعارضة لسياسة رفع الدعم كيف نجحت وزارة الإعلام فى احتواء الأمر حين أذاعت ليلا مسرحية مدرسة المشاغبين، فوجهت الناس إلى حديث آخر، وتناسوا قصة المظاهرات، وحين كان صفوت الشريف وزيرا للإعلام لسنوات طويلة كان هو المتحدث الرسمى باسم الحكومة وباسم الرئاسة أيضا، وكان الرئيس يكلفه بوضع خطة إعلامية لتهيئة الرأى العام تجاه قضية ما، وكان جس نبض الناس يبدأ بشائعة يقاس من خلالها التوجه العام للشعب، وأذكر أن أحد الصحفيين الكبار كانت مهمته هى جمع النكات وتقديمها لوزير الإعلام لكى يحلل محتواها وينقلها إلى الأجهزة المعنية، وإذن يا سيادة الرئيس فغياب وزير الإعلام هو الذى أدى إلى تلك العشوائية التى نعيشها وهو أيضا الذى أدى إلى تضارب التصريحات والبيانات، ولو كان وزير الإعلام قد تناغم عمله مع كل الوزارات المعنية بأمر الجزيرتين لكان قد مهد الرأى العام منذ سنوات إلى الحقائق التاريخية التى تثبت أحقية السعودية فيهما.
آراء حرة
وزير إعلام يا سيادة الرئيس
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق