الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"تيران وصنافير".. والناي السحري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى قصة الناى السحرى، كانت البلدة الهادئة تبحث عن حل لهجوم قطعان الفئران التى كست أرضها بالسواد، وأكلت مخازن الحبوب والغلال وأتت على الأخضر واليابس، لم تفلح الشراك ولا القطط ولا حتى أعمال السحر فى التخلص منهم، إلى أن حضر إلى القرية شخص غريب الأطوار يحمل نايًا برونزيًا، يصدر نغمات سحرية مكنته من قيادة ملايين الفئران خلفه إلى أعماق البحر ليعود الأمان والهدوء للبلاد.
صنافير وتيران هما الناى السحرى الذى كشف كل الفئران المتآمرين سرًا على الوطن، ووحدهم فى العلن ضد الرئيس بعدما حاولوا إخفاء ذلك التعاون المرعب على مدار الأشهر الماضية، تمهيدا للظهور فى لحظة حاسمة كان يجرى تجهيزها تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الطاحنة ومحاولات تفليس مصر بأزمة الدولار، وحصارها دوليًا بتبعات قضية ريجينى، إلى أن جاء لهم موضوع ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وظنوا أنها الفرصة الذهبية للتخلص من عبدالفتاح السيسى.
وسبب الأزمة يتلخص فى الربط المخل بين الأزمة الاقتصادية وزيارة الملك سلمان، ثم الإعلان المفاجئ عن ترسيم الحدود البحرية، تلاه كشف مجلس الوزراء عن سعودية الجزر التى تم تفسيرها على أنها عملية بيع وشراء تحولت إلى تنازل وتفريط، وسرعان ما وقعت مقارنات مع رئاسات سابقة رفضت، ثم وقع استقطاب حاد فى قطاعات النخبة بين من يؤكد أنها مصرية أو سعودية، والجميع يملك وثائق وأدلة تثبت صحة الموقفين، وهو ما أوقع المواطن المصرى فى حيرة سخيفة ساهمت فيها وسائل التواصل الاجتماعى، ومن ورائها أجهزة تدير حربًا نفسية شرسة على المواطن المصرى لعزله عن قيادته.
وظهرت علامات الارتباك على أجهزة الدولة حتى أن وزارة الخارجية أظهرت وثائق تثبت سعودية الجزر، وقامت بدور كان من المفترض أن تقوم به السعودية نفسها، فيما نشط الشباب السعودى على وسائل التواصل الاجتماعى لإثارة غيظ الشباب المصرى بتعليقات سخيفة عن شراء أماكن أخرى بالأموال والضغوط مما زاد من مساحات التوتر.
والتهمت الشكوك نتيجة الزيارة المهمة والإعلان عن إنشاء جسر الملك سلمان الرابط بين السعودية ومصر كأول طريق برى يربط طرق التجارة بين آسيا وإفريقيا ويفعل مبادرة طريق الحرير، ولم ينتبه الخبراء والمحللون إلى أهم نتائج الزيارة، وهى أن كلًا من مصر والسعودية وصل لمرحلة رفع غير مسبوقة فى العلاقات وصلت إلى حد التحالف الاستراتيجى وهو ما مهد الطريق أمام حل ملف الجزر بالتفاوض المباشر دون اللجوء إلى الآليات الدولية، وهو درس مهم لإنهاء الأزمات المكتومة بين العديد من الدول العربية فى المسائل الحدودية.
بالتأكيد التقارب مع السعودية ليس على هوى فئران الناى السحرى الذين يمثلون قوى كثيرة تسعى لإعادة أوضاع الفوضى، ومصلحتها تقتضى توسيع هوة الخلاف بين مصر والسعودية فى الملفات الإقليمية. فقد كانت مصر غير متحمسة للحرب فى اليمن، ووقفت ضد محاولات هدم الدولة السورية، واقتربت من روسيا ولم توافق على المصالحة مع تركيا، ثم تلاقت الرؤى فى ظرف تاريخى دقيق يفرض على مصر والسعودية تحديدًا قيادة المنطقة لمواجهة الهيمنة الإيرانية المتصاعدة، ووقف التدهور والانهيار فى النظام العربى، بعد خروج دول كبرى من المعادلة مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا وتفاقم الأزمة اللبنانية، وتصاعد حدة التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين.
كلتا الدولتين فى حاجة لبعضهما، وتسعيان لقيادة المنطقة للخروج من مساحات الفراغ التى خلفها التراجع الأمريكى والتصالح مع إيران، إضافة إلى التقليل القادم فى أعداد القوات الدولية المتواجدة ضمن قوات حفظ السلام، وهو تغيير استراتيجى كبير، لذلك أصبحت هناك حاجة للقوة العربية المشتركة، لتحل محل القوات الدولية فى مناطق النزاعات، وأن يقود التحالف المصرى السعودى عملية السلام مع إسرائيل، ورعاية حل الدولتين كبديل عن الشريك الأمريكى الذى ثبت عدم جدواه، وهو ما يتطلب فتح حوار عربى مباشر مع إسرائيل، وهو ما تم بالفعل وأعلن للعالم خلال عملية إعادة الجزر.
بظهور الحقائق يغرق فئران الناى السحرى مؤقتًا، لحين ظهور أزمة أو فتنة جديدة تعيدهم للحياة أو تنتبه الدولة لأزمتها فى معالجة ملفاتها الشائكة بالمصارحة والمكاشفة والتواصل الجيد مع الناس.