الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أسامة أنور عكاشة.. وبعض الشذى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«أتمنى أن أكتب حتى آخر لحظة فى حياتى ولا أشعر فى أى وقت بأنى عاجز عن إمساك القلم».. هذا ما كان يقوله أسامة أنور عكاشة، وهو ما حدث بالفعل، فقد ظل يكتب، ويمتعنا بإبداعه، حتى اللحظة الأخيرة.
أسامة أنور عكاشة (٢٧ يوليو ١٩٤١ - ٢٨ مايو ٢٠١٠) هو: «أمير الدراما التليفزيونية».. وقد كتبت عنه يومًا مقالًا مطولًا بهذا العنوان فى جريدة «العربي»، خلال فترة كان يعالج فيها من وعكة صحية شديدة ألمت به، وحينما شفى وجاءنا فى نقابة الصحفيين واحتفينا به سعدت بلقائه والتعرف عليه، وأهديته نسخة من مقالى.
وعندنا أن «أسامة» هو من أكثر المبدعين حضورًا وتأثيرًا باستمرار.. فما أن يتوقف التليفزيون عبر فضائياته عن إعادة عرض مسلسل له، حتى يبدأ فى إعادة آخر، وأحيانًا تعرض أعمال له فى نفس الوقت، مثلًا يعرض له حالياً: «زيزينيا».. و«أميرة فى عابدين»، وفى الفترات الأخيرة: «ضمير أبله حكمت»، و«أرابيسك»، و«الشهد والدموع»، و«ليالى الحلمية»، و«الحب وأشياء أخرى»، و«أبو العلا البشري»، و«امرأة من زمن الحب».. وهكذا، فالفضائيات تعلم علم اليقين محبة الجمهور المستمرة لمشاهدة هذه الأعمال القيمة.
حاليًا تعرض قناة النيل للدراما (الثالثة عصراً) مسلسل «زيزينيا»، وهو من ثلاثة أجزاء، لكن مع الأسف لم ينجز الجزء الثالث، ونتمنى أن تحقق ذلك أسرته والتليفزيون المصرى، وينتج الجزء الغائب أو الفصل الناقص.. و«زيزينيا» بالذات فى صدارة أقرب أعمال أسامة إلى قلبى وعقلى، وكلما أعدت مشاهدته يزداد تقديرى وإعجابى به، وفى مقدمة هذه التحفة نسمع كلمات بطله يحيى الفخرانى، فى أحد أروع أدواره، بل فى الحقيقة فإن جميع ممثليه فى أحسن حالاتهم.. معبرة تلك الكلمات عن هذا البطل المصرى حتى النخاع، رغم قلقه أحيانًا (فى مسألة الهوية المنشغل بها أسامة)، من كونه إلى جانب أصله المصرى من ناحية الأب، ينتمى إلى أم من الجالية الإيطالية فى الإسكندرية.. نسمعه يقول:
«أنا السؤال والجواب.. أنا مفتاح السر، وحل اللغز.. أنا بشر عامر عبد الظاهر.. (بشر.. بشارة)»، كما نستمع فى المقدمة والخاتمة إلى أنشودة من أجمل ما كتب أحمد فؤاد نجم وما لحن عمار الشريعى، وما غنى محمد الحلو على الإطلاق.. بعض شذاها: (وسمعت صوت النديم نسايم.. ع البحر صابحة.. والبحر هايم.. وسمعت سيد بيقول: يا مصرى.. الدنيا صاحية ليه انت نايم؟ ولما عاند وخاننى عصرى.. لا شد ضهرى ولا خد بنصرى.. بنيت فى حضنك ع الرملة قصرى.. وفتحت ع البحر حضن مصري/ آدى القضية وآدى الرسالة.. وكونى أنسى.. دى الاستحالة).
ومن بين كثير نلاحظه فى (دراما أسامة).. هى أن أسامة فى تصويره الواقعى لبيئة وحياة ومسارات وعلاقات كل الطبقات، كان على نفس المستوى من الدراية والإتقان.. سواء شرائح طبقة فقيرة أو وسطى أو ثرية، فهو يقدم فى «ليالى الحلمية» بنفس الاقتدار، شخصيات وطبقة كبار الرأسماليين (الباشا بأداء يحيى الفخرانى فى دور لا ينسى ومن حوله ممثلو طبقته)، وشخصيات وطبقة كبار ملاك الأراضى (العمدة بأداء صلاح السعدنى فى دور العمر والذين يحيطون به)، وكذلك الطبقة الوسطى ونماذج الفقراء والبسطاء.. ونفس الشيء تمامًا فى «زيزينيا»، حيث نرى بنفس براعة أسامة فى التصوير والتجسيد بسطاء حى «زنانيري» بالإسكندرية (المعلمة صاحبة القهوة ابنة البلد الأصيلة، أفضل ما فى الشخصية المصرية، بأجمل أداء لفردوس عبد الحميد، وبقية أهل الحي)، وفى ذات الوقت التاجر الكبير (بأداء رائع لحمدى غيث ومن حوله أسرته الكبيرة)، إلى جانب فيلا (الفتاة الثرية المدللة الحائرة، المتحررة لكن فى إطار ضوابط تضعها لنفسها، بأداء آثار الحكيم فى الجزء الأول، وهالة صدقى التى تستكمل الدور فى الجزء الثانى، وكلتاهما قدمت أداء ممتعًا واعيًا بالشخصية المركبة ومكوناتها)، بالإضافة إلى أغنى أغنياء الجالية الإيطالية (عميدها بالأداء الباهر الاستثنائى لجميل راتب، بل إنه أيضًا فى هيئة وكاريزما زعيم سياسي).. وفى نفس الوقت وبذات المقدرة: بسطاء الجالية اليونانية (صاحب محل البقالة بأداء عهدى صادق الممثل القدير الذى يستحق الالتفات أكثر لموهبته والمزيد من التقدير).. أما (بشر) فهو نموذج جميل فريد، لا مثيل له فى دراما أسامة والدراما لدينا عامة، أضيف إلى شخصيته الكثير والرائع من العائلة الإيطالية التى ينتمى إليها بالأم، لكن ظل الغالب الأخاذ هو أفضل مقومات وركائز شخصيته المصرية حيث الأب (حمدى غيث)، وفى دور عظيم آخر من أدوار الذروة بالنسبة (للفخراني).
وهكذا.. فكلما أبحرنا فى دراما أسامة وجدنا كنوزًا، ومنابع جمال، تفيض دومًا بما يسعدنا ويثرى حياتنا وأرواحنا، وبما يدعونا إلى إعادة اكتشاف الأعمال باستمرار، ومن ثم إعادة اكتشاف أنفسنا، وإلى متعة متجددة، فنية وفكرية، جمالية وفلسفية، على الصعيدين الاجتماعى والميتافيزيقى.. فى رحاب الحب والحياة والوطن والهوية وفى آليات الثورة والثورة المضادة وفى شواغل المصائر والمستقبل الإنسانى.