الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حِلْف "السيسي سلمان"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المؤكد أن الأيام الخمسة التى أمضاها الملك سلمان بن عبد العزيز على ضفاف النيل قد أرست قواعد صلبة للعلاقة المصرية السعودية، ووضعتها فى إطار التحالف الاستراتيجى الذى يتجاوز ود الأشقاء، والشعارات العروبية التى اعتادت الأذن العربية سماع ضجيجها دون أن تنتج طحنا.
وهذا ما يفسر فرحة الشعبين المصرى والسعودى بما يمكن تسميته بحلف «السيسى سلمان»، وأتصور أن لهذه الفرحة أصداء فى بقى الشعوب العربية التى تأمل فى أن يكون هذا الحلف بداية لرسم خريطة عربية جديدة تستطيع فرض نفسها على ما عرفت بخارطة الشرق الأوسط الجديد التى وضعت الإدارة الأمريكية ملامحها الرئيسية.
زيارة العاهل السعودى إلى القاهرة جاءت لتتوج عملا جادا ومشتركا بين البلدين طول الأشهر الماضية من أجل بناء تحالف صلب قاعدته الأساسية الدفاع عن الدولة العربية الحديثة والحفاظ على بقائها والعمل على تقويتها وتطويرها، تحالف يستطيع تجاوز التباينات فى المواقف بإيجاد صيغ توافقية قادرة طول الوقت على توحيد المواقف وبناء المصالح المشتركة المتجددة.
صحيح أن مجالات العمل الاقتصادى المشتركة كانت العنوان الأبرز فى مجمل الاتفاقيات التى وقعها الجانبان، غير أنه لا عمل اقتصاديا دون أن تكون له غاية سياسية تبحث عن تحقيق مصلحة الأمن القومى للبلدين الشقيقين، وهو ما يعنى بضرورة وجود تعريف مشترك للأمن القومى العربى.
ويشير هذا التحالف إلى توصل الرياض والقاهرة لرؤية مشتركة حول الملفين السورى واليمنى، وربما تمتد هذه الرؤية للأوضاع فى لبنان وليبيا؛ والمؤكد أيضا أنهما قد اتفقا على وضع تعريف محدد للإرهاب، ومن ثم وضع قائمة للمنظمات والجماعات التى تنبغى معاملتها كتنظيمات إرهابية.
وفى هذا السياق، تأتى الاستثمارات السعودية لتسهم فى عملية بناء الاقتصاد المصرى حتى تتمكن الدولة المصرية من القيام بدور سياسى فاعل فى المنطقة، وبما يمكنها من مواجهة ما يبدو أنه محاولة لفرض نوع من الحصار الاقتصادى عبر افتعال عدة أزمات داخلية وخارجية.
لذلك قد تنطوى زيارة الملك السعودى على رسالة للأطراف الدولية التى تحاول وضع مصر طوال الوقت فى مآزق متتالية، وظنى أن ثقل ووزن المملكة السعودية سيساعد كثيرا فى تجاوز تلك الأزمات.
حلف «السيسى سلمان» قد يكون العمل العربى المشترك الوحيد الذى جسد آمال القومية العربية، لأنه وببساطة لم يرتكز على شعارات جوفاء لا تخاطب سوى العواطف، غير أن ما ساعد على اكتماله وتبلوره هو إدراك الطرفين ضرورة إعادة تعريف التحديات التى تواجه المنطقة العربية تعريفا واقعيا، وقد ساهم فى ذلك تغير السياسات الأمريكية تجاه الدول الرئيسية فى إقليم الشرق الأوسط.
وكان الاتفاق الأمريكى الإيرانى وإطلاق الأولى يد الأخيرة لتعبث فى دول المنطقة العامل الحاسم فى خلق وعى لدى أكبر دولتين عربيتين بضرورة تطوير علاقتيهما الودية إلى مستوى التحالف الاستراتيجى من أجل الحفاظ على بقاء الدولة العربية الحديثة.
وقد عبر الملك سلمان عن هذا الوعى المشترك بتأكيده المضى قدما لبناء القوة العربية المشتركة أثناء لقائه بالرئيس السيسى بقصر الاتحادية، وفى كلمته أمام مجلس النواب، ولعل عدم طرح مسألة المصالحة بين مصر وتركيا فى مباحثات الملك والرئيس يعكس جانبا من هذا الوعى.
الرهان على نجاح هذا الحلف كبير، ولا ينبغى السماح ولو بتعكير صفوه من خلال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية من قبل المشككين والجاهلين والخبثاء، وكان على الحكومة المصرية أن تبادر لإعلان كل المعلومات التاريخية والقانونية المرتبطة به، لاسيما أن الأمر قد بدأ نقاشه منذ صيف العام الماضى.
ومع ذلك لا يزال بإمكان الحكومة تبديد الشكوك وتكذيب الشائعات بالتركيز على أن مصر لم تتنازل عن جزء من أراضيها، ذلك أن جزيرتى تيران وصنافير محل خلاف سعودى مصرى منذ النصف الأول من القرن الماضى، وكان وجود القوات المسلحة المصرية بهما بناء على اتفاق بين الدولتين عام ١٩٥٠ بغرض حمايتهما من إسرائيل دون أن يعنى ذلك الإقرار بأحقية مصر فيهما.