جذبنى فى أحد البرامج تعبير لأحد الطلاب الأمريكيين - ذوى الأصول الباكستانية - بالأزهر الشريف عن مصر بأنه: «يحبها ويكرهها».. فقد وصف حبه لمصر التى يفتقدها بمجرد بعده عنها وسعادته الكبيرة برؤية أى مصرى مصادفة خارجها، وفى نفس الوقت ضيقه من بعض التصرفات اليومية التى يقابلها فى الشارع.. وهذا التعبير نسمعه أحيانا من بعض المصريين، فمصر بلد المتناقضات فهى أم الحضارة والعراقة وأول من عرف التوحيد، وفى نفس الوقت حين تمشى فى شوارعها تجد الفوضى والعشوائية وتستمع إلى عبارات سائقى الأجرة والميكروباص والتوك توك لتشعر بكل الملوثات البيئية والسمعية والبصرية.. ما بين الآثار التى ليس لها مثيل فى أى مكان بالعالم والمبانى الحضارية الشاهقة.. إلى العشوائيات والمبانى المتراصة التى تشبه علب الكبريت والشوارع المملوءة بالقمامة.. ما بين الشعب المتدين الذى يهرول إلى المساجد ويحرص على الالتزام فى المظهر، وتسمع رنات الموبايل لمسلميه ومسيحييه ما بين صوت الأذان والأدعية الإسلامية إلى التراتيل المسيحية وكلمات القساوسة إلى تصرفات بعيدة كل البعد عن كل التعاليم الدينية والأخلاقية.. وأول ما يصطدم به أى شخص قادم إلى مصر هو الفوضى المرورية، والعشوائية ما بين السيارات والأشخاص، والتى لا نجد لها نظيرًا فى أى دولة من دول العالم.. وإذا نظرنا بتمعن وحيادية إلى مشاكلنا دون أن نحاول إلصاقها بغيرنا سنجدها جميعا مشاكل سلوك تحتاج إلى مواجهة حقيقية حتى نستطيع القضاء عليها.. والسلوك لا يأتى إلا بالممارسة والتعود.. وبالتالى فمشكلتنا الحقيقية فى كيفية تغيير سلوكنا، وهو ما لم ولن يحدث إلا من خلال التطبيق الرادع للقوانين دون استثناءات.. فكل الشعوب مهما بلغ تحضرها إذا لم تجد قوانين رادعة سيتسرب إليها بالتدريج الفوضوية والعشوائية..فمن الطبيعى أن أى شخص ليس لديه متسع من الوقت سيفضل ترك سيارته فى أقرب مكان له دون الذهاب إلى جراج قد يبتعد كثيرًا عن المكان الذى يرغبه إذا لم يجد ما يمنعه.. وأى شخص فى حالة استعجال ويرى الطريق مفتوحًا أمامه بالتأكيد سوف يمشى بأسرع ما يمكنه للوصول فى موعده أو اللحاق بما يريد إذا لم يعوقه شيئا.. وقد شاهدت كثيرا فى بعض الدول الأوروبية محاولات من الأوروبيين لاختراق قوانين المرور فى حالة تأكدهم من عدم وجود آلية ستكشف مخالفتهم، وخاصة فى الأماكن الذين يتأكدون من عدم وجود «رادار» فيها فيقومون بمخالفة السرعة المحددة، ثم يضبطون السرعة مجددًا فى الأماكن التي يحفظون وجود الكاميرات فيها كما يحدث لدينا تماما، وغيرها من المخالفات المرورية التى يقومون بها بأريحية وبشعور بالانتصار والتحايل على القانون، ولكن نظرا لشدة العواقب التى تترتب على المخالفة يفكرون ألف مرة قبل أن يقوموا بذلك..وبالتالى فنحن نظلم أنفسنا حين نوصمها بأنها عشوائية وغير منضبطة، لأن كل الشعوب كذلك ولكن جاءت القوانين لتنظم الحياة بين البشر، والدليل على ذلك أن بعض الدول العربية التى كنا نسبقها بعقود، تفوقت علينا وأصبحت تماثل الدول المتقدمة فى كيفية انضباط الشارع والمرور، والحفاظ على النظام والنظافة، من خلال تطبيق القوانين الرادعة حتى تحول لسلوك عام لمواطنيها.. لذلك كنت أوافق الفريق أحمد شفيق حين كان يقول إنه سوف يقضى على مشكلة المرور فى مصر خلال ٢٤ ساعة، لأننا جميعا إذا تأكدنا أن هناك قوانين رادعة، وستطبق بصرامة على الجميع سوف نلتزم.. وقد سعدت بخبر انتشار أجهزة المراقبة والكاميرات الحديثة فى شوارع القاهرة والجيزة والتى ستلتقط جميع المخالفات المرورية بدقة.. فبالتأكيد نتمنى جميعًا أن تتمتع دولة الحضارة بالشكل الحضارى، ولكن هل ستضمن أجهزة المراقبة وحدها إعادة الانضباط فى الشارع المصرى وضبط سلوك المواطنين فى ظل وجود استثناءات؟!!.. فجميع مشاكلنا تكمن فى القوانين وتطبيقها، فإذا وجدت القوانين نجد فيها ثغرات يمكن التحايل عليها، أو نجدها تطبق على البعض دون البعض الآخر، وطالما هناك استثناءات فلن يكون هناك قانون رادع أو عدالة، فما معنى أن يكون هناك بعض الفئات المستثناة من العقوبة على المخالفات المرورية والغرامات المترتبة عليها، وكيف تكون هناك حصانة فى المخالفات؟!.. فكلنا نعلم أن أعضاء الهيئات القضائية يتم رفع مخالفاتهم، وكذلك زوجاتهم فى حالة إقرار عضو الهيئة القضائية بأن سيارة زوجته يستخدمها شخصيا!!.. وفى بعض الأحيان يتم استثناء بعض أعضاء الشرطة والقوات المسلحة.. وغيرهم ولكن طبقًا لمدى الثقل والعلاقات، وكذلك أعضاء مجلس النواب يستثنون لأن لديهم حصانة!!.. وكذلك بعض السيارات التابعة للحكومة، فكيف ستدفع الحكومة لنفسها!!.. وبما أن هناك العديد من الاستثناءات فبعض الفئات العادية من الشعب تحاول أيضا الحصول على استثناءات بدفع الأموال أو الطرق الملتوية، وبالتالى إذا استثنينا كل ما سبق من فئات فى المجتمع من تطبيق قوانين المرور فمن سيتبقى!!.. وكيف ستتمكن الدولة من إعادة الشكل الحضارى والمنظم للشارع المصرى فى ظل هذه الاستثناءات.. فلا يكفى أن توجه الدولة سوطها على بعض الفئات دون الأخرى، دون تحقيق العدل.. وكما قال الإمام العادل عمر بن عبدالعزيز حين قيل له: «يا أمير المؤمنين إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها ولا يقومها إلا السوط!.. فقال: كذبتم يقومها العدل والحق».
آراء حرة
لن يقوّمنا السوط ولكن العدل والحق
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق