الجمعة 18 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قتلوه كما لو كان مصريًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى بداية أزمة مقتل الطالب الإيطالى «جوليو ريجينى» لم ينتبه العديد من المصريين إلى أن الأزمة فى طريقها للتصاعد وبشدة.. ولكن من لديه خبرة بالمحافل الدولية كان يعلم يقينًا أن الضجة لن تنتهى.. بل إن الأسوأ قادم لا محالة، لأن الغرب يعرف تمامًا قيمة الإنسان ويضعه فى قمة أولويات الدول، والبشر بالنسبة له أهم شيء.
حكى لى صديق مصرى يحمل الجنسية الأمريكية.. أن أطفاله تمت ولادتهم فى أمريكا وبعد سنوات قليلة من ولادتهم اصطحبهم مع زوجته فى زيارة إلى مصر، وفى المطار فى أمريكا سألوه عدة أسئلة خاصة بالأطفال من بينها «هل توفر لهم إقامة آمنة ومريحة فى مصر؟»، «هل تعرف إذا مرضوا ماذا ستفعل وستتوجه بهم إلى أى مستشفى»، كما أنهم قالوا له فى حالة مرض أحدهم أو إصابته نتيجة لأى شيء عليه أن يتوجه بهم إلى مستشفى بعينه وأعطوه اسمه وعنوانه فى القاهرة.. وعندما سألهم لماذا كل هذا الاهتمام بالأطفال على وجه الخصوص ولم تفعلوا ذلك معى أنا وأمهم، رغم أننا نحمل الجنسية الأمريكية أيضًا.. فردوا عليه بأن أولاده هم أبناء امريكا ولدوا على أرضها، فهم أطفالها، وأمريكا تراعى أبناءها وتهتم بهم بشكل كامل فى أى مكان بالعالم، ولذلك تراعى سلامتهم سواء على أرضها أو على أى أرض أخرى.. تذكرت هذه القصة وأنا أشاهد السيدة «باولا» والدة الطالب الإيطالى وهى تقول «عذبوه وقتلوه كما لو كان مصريا».. وفى نفس الوقت الجملة موجعة وكاشفة تماما لقيمة الإنسان فى مصر.. وما يعانيه المصريون من إهانة فى بلدهم، كما أنها كاشفة أيضا أن أحوالنا الإنسانية والحقوقية معروفة تماما للخارج، وأنهم يعرفون أن المصرى رخيص فى وطنه يهان وينتهك ويموت بلا ثمن، والمواطن عندهم لا يقدر بثمن، والجملة تفسر نظرة العالم للمواطن المصرى، وتجعلنا لا نندهش إذا صدرت إهانة أو عدم اهتمام بالمواطن المصرى خارج بلده.. فإذا كان وطننا يخذلنا فماذا ننتظر من الخارج؟! 
هكذا تنظر الدول المتقدمة إلى الإنسان وتضعه فى المراتب الأولى فى قائمة أولويات واهتمامات ومسئوليات الدولة والحكام على حد سواء.. ولهذا السبب تحديدًا هم متقدمون.. يهتمون بأبنائهم حتى لو فى أى مكان فى العالم.. من الممكن ألا يعى المواطن العادى فى مصر هذا الشيء، ولكن المسئولين، خاصة رجال السياسة، من المفترض أنهم كانوا على علم به وبشكل جيد، وكان لا بد مراعاة ذلك منذ الإعلان الأول عن اختفاء «ريجينى»، أو على الأقل بعد ظهور جثته، ولكن للأسف هذا ما لم يحدث.. كان عليهم أن يعلموا أن الأمور سوف تتصاعد وبشكل خطير وأن مصر على وشك أن تفقد حلفاءها الأوروبيين على خلفية هذه القضية، ولكن أعتقد أن عدم وجود مستشارين سياسيين حول الرئيس هو السبب فى كل ما نصل إليه من أزمات سياسية فى الداخل والخارج، قضية ريجينى سياسية بالدرجة الأولى، وكان حلها منذ اللحظة الأولى هو الصراحة والشفافية، وليس التجاهل ومن بعده الكذب وحتى لو اضطرتنا الظروف للمراوغة فهى لعبة السياسيين بلا شك، وكان يجب أن تكون المراوغة السياسية فى صالحنا.. ولكن حتى المراوغة فشلنا فيها، وكان من الغرائب ما قاله وزير الخارجية المصرى «سامح شكرى» فى رده على وزير خارجية أمريكا «جون كيرى» عندما سأله الأخير عن قضية «ريجينى» عندما قال له إن العصابة التى قتلته تقوم بعمل حفلات جنس جماعى سادى مازوخى، فى إشارة إلى أنه كان شاذًا جنسيًا وأنهم قتلوه أثناء الممارسة.. وهو ما ردت عليه إيطاليا بسخرية شديدة فى صحفها وإعلامها وكذلك المصريون على مواقع التواصل الاجتماعى.. وطبعًا هذا التصريح زاد الموقف تعقيدًا.. والمخزى أنه جاء على لسان وزير الخارجية وليس مجرد سفير أو دبلوماسى عادى.
افتقاد مصر سياسيين محترفين ومحنكين حاليًا، كانت نتيجته تضخم الأزمة واستدعاء روما لسفيرها بالقاهرة، وكل ذلك لا يبشر بأى خير حتى فى أزمات سياسية أخرى.. والإعلام الإيطالى يروج إلى أن إيطاليا فى طريقها للإعلان عن أسماء القتلة الحقيقيين والذين من المحتمل أن يكون من بينهم ضباط كبار فى الشرطة.. وأعتقد أن ذلك سيضع مصر فى حرج جديد.