الأسلوب الذى اصطفى به رئيس الحكومة وزراءه واختارهم ما زال غامضًا يلفه ضباب كثيف، وأشعر بحيرة كبيرة إزاء اختيار وزراء لا نعلم عنهم شيئًا، وليست لهم خلفية سياسية من أى نوع.
والواقع أن أحدًا لا يرفض أن تختار الحكومة وزراءها من التكنوقراط، وبحيث تكون تلك هى الأولوية التى لا تعلو عليها أولويات، ولكن نحن نعرف الكثير من التكنوقراط فى كل مجال، ولم نر أحدًا من المعروفين صار وزيرًا.. هناك فقط إصرار على اختيار المجاهيل وتقديمهم إلى الرأى العام.
لم نلتق طوال أربعين عامًا من العمل العام بأحد أولئك الوزراء فى ندوة أو مؤتمر، ولم نقرأ لأحدهم كتابًا، لا بل ولم نشاهده فى عشاء أو حتى فرح!.
ومع ذلك فقد دفع إلينا شريف إسماعيل بأولئك الوزراء ليكونوا منتجى سياسات مرحلة من أعقد وأخطر المراحل فى حياة وطننا، وظن أن وجهه العبوس سيحول دون ممارستنا لحقنا فى التساؤل وسيكون زاجرا رادعا يمنعنا من معرفة كنه تلك التشكيلة الحكومية التى أعلن رئيس الوزراء أنه سينيط بها اتخاذ قرارات قال عنها (مؤلمة)، فلما هاجمته فى «الأهرام» وحملته نتيجة ذلك التصريح الإعلامى عن القرارات المؤلمة مسئولية (المزاج العصبي) الذى ساء البلد وأثر فى كتلة الناس الذين لا يتحملون قرارات مؤلمة تزيد من صعوبة واقعهم وحياتهم فى اللحظة الراهنة، ورغم أن هشام إسماعيل غير مباشرة بعد ما كتبته كلمة (مؤلمة) واستخدم بدلا منها (صعبة)، ورغم أنه كذلك عمل على اقتران حديثه عن القرارات (الصعبة) بالحديث عن إجراءات للحماية الاجتماعية سترافق قراراته (بالضبط كما كتبت عن شبكة الأمان الاجتماعى الغائبة)، فإن الرجل لم يدرك فيما يبدو أن تغيير مسمى القرارات أو وصفها لا يعنى محاصرة أثرها، وأنه بالفعل وعبر تلك التمهيدات هيأ الرأى العام للاحتجاج، وأن حديثه عن استعمال أدوات للحماية الاجتماعية لن يكون مؤثرًا لأن الانطباع الأول الذى تشكل فى الوعى العام أن رئيس الحكومة ووزراءه هم تشكيلة (القرارات المؤلمة)، وفضلًا عن كل ذلك فإن الناس فى مصر لا يدركون معنى (أدوات الحماية الاجتماعية) وهى بالنسبة لهم كلمة غامضة مجهولة مثل القرارات (المؤلمة) بالضبط، يعنى الأستاذ شريف إسماعيل لم يفصح لنا عن طبيعة قراراته (المؤلمة) التى سماها (الصعبة) لتدليلها، كما لم يوضح طبيعة أدوات الحماية الاجتماعية التى سيستخدمها، وترك الناس يضربون أخماسا فى أسداس، وينتظرون شرًا سيحيق بهم جراء تلك الحكومة، ومرة أخرى يتلبسهم مزاج عصبى.
إذن فقد تصور شريف إسماعيل أنه سينجو من رد فعل الناس ومن مسئولية التعامل بلا احتراس معهم بمجرد تغييره وصف القرارات من (مؤلمة) إلى (صعبة)، وأن الشعب سوف يتقبل وزراءه بدون ألم ولكن ذلك لم يحدث ولن يحدث لسبب بسيط وهو أننا بصدد التعامل مع رئيس وزراء غير سياسى وكذلك تشكيلته، وبالتالى فإنهم ربما يهندسون سياسات وقرارات وتوجهات على الورق ولكنهم حين يقدمونها للناس سيفشلون تمامًا لأن التعامل مع الجمهور له ناسه، وهناك مهن تقنن طرق ووسائل التعامل مع الجمهور، ولا يمكن لأى مسئول أن يستسهل القيام بأدوارها، وإنتاج خطاب عام يحفل بتعبيرات لا تفهم أصول التوقيت والجو العام ونوع المفاهيم المستخدمة وأسلوب صياغتها.
والحقيقة أن الحديث عن وزراء هشام إسماعيل الذين تصور أن الناس ستقبلهم بدون ألم يفتح الباب واسعًا أمام مناقشة ملف (المعايير) فى اختيار من يتولى منصبًا عامًا، وهل تكفى فقط تحريات الجهات الأمنية والسيادية، وهل تكفى أوراق (السير الذاتية) التى ترفق بتقارير الأمن والجهات السيادية كأساس للاختيار، لقد رأينا فى السنوات التى تلت عملية يناير ٢٠١١ مهرجانًا من الاختيارات العجيبة، وإن كنا فهمنا أسباب ذلك فى أيام الإخوان الكئيبة السوداء، فإننا لا نستطيع قبوله الآن، خاصة أن الاختيارات الأمنية والسيادية لم تثبت فى كثير من الأحوال أنها صالحة تمامًا، وقد أثر ذلك على معاملات الاستقرار الوزارى إلى حد بعيد، وصرنا نرى تدوير الوزراء أو تدوير الحقائب الحكومية بين الوزراء بسرعة غير معقولة جعلت متوسط عمر بقاء الوزير على مقعده بسيطًا للغاية وعلى نحو غير مسبوق.
ترك هذا العامل بصمته على الأداء الوزارى، فالوزراء لا يريدون الوقوع فى أى خطأ، على نحو أدى إلى ظاهرة شاعت تسميتها: (الأيادى المرتعشة)، والوزراء يخافون كذلك إغضاب الناس على أى نحو بعد أن صارت إقالة الوزراء تتم استجابة لانتقادات توجه إليهم على (فيسبوك)، ومن ثم فإن شريف إسماعيل (غير السياسي) عرض وزراءه (غير السياسيين) لاختبارات صعبة حين جعلهم هدفا للتنشين أمام الرأى العام، الذى يتوجس منهم خيفة، وينتظر صدور قراراتهم (المؤلمة) أو (الصعبة) ولا يفهم حكاية (أدوات الحكومة للحماية الاجتماعية) وقد نما الآن يقين لديه بأنه لن يكون هناك وزير بدون (ألم)!