الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ورحل أستاذ العمداء وعميد الأساتذة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
د. فاروق أبوزيد.. الفارس الذى ترجل مؤخرًا من على صهوة جواده، فارس الكلمة فى التحرير الصحفى وفن الكتابة الصحفية، تتلمذتُ على يديه فى بداية دراستى للصحافة فى السنة الثانية بكلية الإعلام، فبهرتنى شخصيته، وبهرنى بإيمانه بحرية الكلمة والرأى والتعبير الذى كان يعكسها مقرر «المدخل إلى الصحافة» الذى كان يقوم بتدريسه لنا.
أذكر جيدًا أننا كنا ندرس مقررات المداخل فى السنة الثانية بكلية الإعلام مثل: «المدخل إلى الصحافة» و«المدخل إلى الإذاعة» و«المدخل إلى العلاقات العامة» و«المدخل إلى الإعلان»، وذلك لكى نتعرف على كل تخصصات الإعلام لكى نتخصص فى أحدها بدايةً من السنة الثالثة بالكلية، وعندما ظهرت نتيجة السنة الثانية وكنت الأول على الدفعة وقتها، لاحظت أننى حصلت فى مقررات المداخل جميعها على تقدير ممتاز باستثناء مقرر «المدخل إلى الصحافة» الذى حصلت فيه على تقدير «جيد جدًا»، ورغم ذلك فقد تمسكت بالتحاقى بقسم الصحافة حبًا فى هذا الأستاذ الذى حبب إلينا الصحافة، وربانا على حرية الرأى والتعبير، والدفاع عن حرية الصحافة ومهنيتها ما حيينا.
كما أذكر جيدًا حين أقامت الكلية احتفالًا لتكريم أوائل الطلاب من السنوات الأربع، وكنت وقتها فى السنة الرابعة، وكان من بين الحاضرين الدكتور فاروق ود. مختار التهامى عميد الكلية وقتها ود. جيهان رشتى رحمها الله، وأصر د. فاروق على أن يُلقى كل طالب من الأوائل كلمة، ويا له من موقفٍ جَلل أن تكون طالبًا وتُلقى كلمة فى حضور أساتذتك الكبار الذين تنظر إليهم كالنجوم العاليات فى السماء السابعة، ولكن كان هذا هو الدكتور فاروق الذى يُدَرِبُ تلامذته على التعبير عن ذواتهم، وهذه هى مدرسة كلية الإعلام التى تربيْنا فيها.. ولا نزال.
وعندما تخرجتُ فى كليةِ الإعلام، وعُينتُ معيدًا بقسم الصحافة سعدتُ بالعمل مع الدكتور فاروق حين كان رئيسًا لقسم الصحافة، وبعد أن كنا تلامذته فى قاعات الدرس، أراد أن نستشعر أننا أصبحنا زملاءه فى مهنة الصحافة، فكنا نجلسُ معه سويًا أنا ود. محمود خليل «رئيس القسم الحالي» ود. محمد منصور هيبة ود. كمال قابيل ود. حماد إبراهيم ود. أحمد محمود «أشهر مخرج صحفى فى بر مصر حاليًا» ود. سعيد الغريب وغيرهم لكى نضع خطة العدد الجديد من صحيفة القسم «صوت الجامعة» فى اجتماع لتبادل الأفكار وأساليب تناولها ومعالجتها، وكنا نسهر جميعًا فى مطابع «أخبار اليوم» لكى ننفذ «ماكيت» العدد، وكان أحيانًا ما يدعونا لقضاء السهرة فى «الحسين» لكى نعود لنحضر طباعة «صوت الجامعة» لنمسك بأول النسخ التى تخرج من مطبعة «أخبار اليوم» فى إحساسٍ ولا أروع.
ورغم اعتزازه ببدايته الصحفية ومهنته الأولى، إلا أنه رغم ذلك كان أستاذًا أكاديميًا لا يُشقُ له غبار، فلديه مكتبة أكاديمية زاخرة بأمهات الكتب فى التحرير الصحفى وفن الكتابة الصحفية وفن الخبر الصحفى والصحافة المتخصصة، وغيرها الكثير، وكان إذا تحدث فى محاضرةٍ عامة أو فى ندوة أو فى مؤتمر علمى أو مناقشة رسالة يسلب عقول وأسماع وعيون كل من يحضر لسماعه وإمعان التفكير فيما يقول، بعبارة أخرى كان أستاذًا يتمتع بـ «كاريزما» يفتقد إليها الكثيرون فى هذه الأيام.
وعندما أصبح د. فاروق أبوزيد عميدًا لكلية الإعلام بعد إنشاء مبناها الجديد فى الفترة من ١٩٩٤ إلى ٢٠٠٠، شهدت الكلية فى عهده نشاطًا ملحوظًا وحركة دائبة غير مسبوقة فى الندوات والمؤتمرات والمجلات العلمية وإنشاء مطبعة حديثة للكلية واستديوهات على أعلى مستوى، والأهم أن الدكتور فاروق عندما كان مقررًا للجنة العلمية للترقيات سعى لكى يكون بكلية الإعلام أكبر عدد من أساتذة الإعلام على مستوى الوطن العربى، فكان يشجعُ جميع أعضاء هيئة التدريس ويحثهم على إنجاز أبحاثهم والتقدم للترقية لدرجة الأستاذية، كان يقول أريد أن أكون عميدًا على عدد كبير من الأساتذة.. عميدًا على كلية كبيرة، وليس عميدًا على كلية صغيرة لا يوجد بها عشرة أساتذة.
كان يحرص على أن يكبر تلامذته ويقدمهم على نفسه؛ فقد دعوت د. فاروق ذات مرة لكى أنال شرف مشاركته فى مناقشة رسالة دكتوراه بجامعة أسيوط لباحثة كنت أقوم بالإشراف على رسالتها، وكان يجب أن يكون رئيسًا للجنة المناقشة، إلا أنه أصر أن يقدمنى على نفسه وجعلنى أقوم برئاسة اللجنة، فى لمسة لا تجدها سوى لدى أستاذ جامعى حقيقى يريد أن يشجع تلامذته ويدفعهم إلى مقدمة الصفوف. ورغم إعارة خدماته فى السنوات الأخيرة عميدًا لكلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال ونائبًا لرئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إلا أنه ظل على تواصلٍ دائم مع تلامذته وأبنائه بإعلام القاهرة، وكان يحرصُ أن يكونوا موجودين إلى جواره كمنتدبين للتدريس حتى لا يشعرَ بالغُربة عن كلية الإعلام جامعة القاهرة التى أعطاها كلَ حياته، وقدمَ إليها عديدًا من الإسهامات التى أضفت عليها بريقًا نحمدُ الله أنه لم ينطفئ بعد.
رَحِمَ اللهُ أستاذَ العُمداء.. وعميدَ أساتذةِ الإعلام فى مِصر والوطنِ العربى.. رَحِمَ اللهُ د. فاروق أبوزيد.