تأتى زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة فى ظرف بالغ الدقة والصعوبة على مصر والسعودية معا، فمصر تواجه ضغوطا دولية شديدة وأزمة اقتصادية طاحنة يضاف عليها عبء إرهاب يهدف إلى تحويلها إلى دولة فاشلة.. حتى تضيق الأرض بمن عليها فيسهل على الإرهابيين تدميرها والسيطرة عليها.
أما السعودية فتواجه خطرا مزدوجا قادما من الشمال والجنوب، واقعة ما بين مطرقة الأطماع الإيرانية وسندان أحلام أبوبكر البغدادى خليفة داعش، فضلا عن شبح الأزمة الاقتصادية التى تطل برأسها بعد انهيار أسعار النفط، وإن كان فى الأفق تفاؤل حذر مبنى على مشاورات بين الدول الكبرى المصدرة للبترول لخفض الإنتاج فى محاولة لوقف انهيار الأسعار.
ورغم قوة ومتانة العلاقة التاريخية بين مصر والسعودية إلا أن هناك أطرافا كثيرة عربية ودولية حاولت اللعب على وتر الاختلاف فى وجهات النظر حول ملفات المنطقة المشتعلة فى سوريا واليمن، بل وسعت طوال الوقت للوقيعة بين مصر والسعودية، بدأت بما أثير حول التسريبات فى بداية تولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم، عبر قنوات الإخوان المحرضة والصادرة من تركيا بتمويل قطرى، ثم وصلت إلى قمة التحريض السافر والمباشر بدعوتها فى بيان رسمى الملك سلمان لإلغاء زيارته والتوقف عن تقديم أى دعم لمصر، والحقيقة أن القيادة السعودية كانت من الحصافة والوعى أن تتجاهل كل ذلك بل وتتفهم الموقف المصرى الإقليمى، وأن تتجنب السير خلف الوقيعة التى ترعاها تركيا وقطر اللتان تسعيان بوضوح إلى إعادة الإخوان إلى الحكم حتى ولو على جثة مصر نفسها، لم يفهموا، العلاقة بين مصر والسعودية أكبر من دسائسهم التافهة، علاقة خاصة عنوانها التفاهم حتى فى أقصى لحظات الفرقة والابتعاد.
قد لا يعلم الكثيرون وبالتأكيد الأطراف الخائنة مثل الإخوان وأتباعهم الدور المهم والحيوى الذى قام به الملك فيصل رحمه الله تجاه مصر قبل وبعد حرب أكتوبر، فالمراسلات بين الملك فيصل والرئيس السادات كانت كاشفة إلى أى مدى يمكن أن تصل الصداقة، وكيف عرض الملك فيصل تأمين الموقف التموينى للبلاد قبل الحرب ووفر فى البنك المركزى المصرى ٢٥ مليون دولار، بالإضافة إلى سربين من طائرات الميراج القاذفة، بخلاف سلاح البترول الذى أشهره الملك فى وجه القوى الدولية الداعمة لإسرائيل مما كان له بالغ الأثر فى دعم الموقف المصرى خلال الحرب والمفاوضات حتى تم تحرير كامل التراب الوطنى.
ثم حاربت مصر دفاعا عن حرية الكويت، وكان انحيازها واضحا منذ اليوم الأول واصطفت مع السعودية ودول الخليج فى مواجهة تهديدات صدام حسين، وكان موقفها مقدرا ومبنيا على ثوابت الأمن القومى المصرى القائمة على أن أمن الخليج خط أحمر بالنسبة لمصر، وفى المقابل الأمن القومى السعودى مرتبط بوجود مصر القوية، وظهر ذلك جليا فى موقف الملك عبدالله التاريخى الداعم لمصر عقب ثورة ٣٠ يونيو سياسيا واقتصاديا، وكانت مصر حاضرة مع ظهور التهديدات الموجهة للملكة بصياغة مفهوم «مسافة السكة» وتطبيقه عمليا فى مناورات رعد الشمال، وقبلها المشاركة العسكرية فى عاصفة الحزم، وأخيرا الانخراط فى التحالف الإسلامى الذى دعت إليه الرياض، كل تلك التحركات تعطى مؤشرات قوية أن التحالف الاستراتيجى بين مصر والسعودية فى أقوى حالاته.
القيادة السعودية تدرك جيدا أبعاد الخطر المحيط بالمنطقة، ولعل هجوم الرئيس الأمريكى باراك أوباما على الدور السعودى أبلغ دليل على نجاح المملكة فى إنقاذ العرب من أفكاره الخرقاء التى هددت الأمن القومى العربى فى الصميم وانتهت بكارثة دعم الولايات المتحدة للمد الشيعى بتصالحها مع ملالى إيران وقبلها دعمها للتحالف بينهم وبين الإخوان المسلمين، والذى تجلى فى زيارة الرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد للقاهرة واختراقه للأزهر خلال حكم مرسى.
من غير اللائق أن تختصر زيارة الملك سلمان فى النواحى الاقتصادية، فالتحالف بين مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة حتمى ومصيرى، فهم ما تبقى من الظهير الاستراتيجى العربى الذى يمتلك القدرة على مكافحة كل المخاطر باختلاف أنواعها.. تحالفهم هو الأمل الأخير فى إنقاذ ما تبقى من الجسد العربى المثخن بالجراح.