الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الديمقراطية وازدراء الأديان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل يمكن أن نعتبر أنفسنا صادقين عندما نتحدث عن مصر باعتبارها دوله مدنية حديثة تسعى ليكون نظامها السياسى ديمقراطياً قائمًا على الحرية السياسية والتعددية الحزبية، بينما يبدو واقعنا المجتمعى غير مختلف عن العصور الوسطى التى سادها الظلام الفكرى والإرهاب باسم الدين؟
من الخدع الكبرى التى وقعنا فى شراكها لعقود طويلة، حديث النخبة المصرية عن نضالها من أجل تعددية سياسية، فى الوقت الذى عزفت فيه عن النضال من أجل حرية العقل والتعددية الفكرية، رغم أن الأخيرة معركة ضرورية، الانتصار فيها مقدمة للبدء فى النضال من أجل دولة ديمقراطية.
النضال من أجل العقل لم يكن أولوية فى أجندة النخبة المصرية، حيث كانت المصالح الحزبية الضيقة على رأس أجندة العمل النضالى، وفى أحسن الأحوال جاءت القضايا الاجتماعية فى الترتيب الثانى فى بعض الأحيان.
لم يكن التخلف والجمود وسيادة التطرف الدينى وأفكار الإسلام السياسى الأحادى التكوين والطابع أكبر خسائر الأمة الناتجة عن عزوف نخبتها عن خوض معركة حرية العقل وتعددية التفكير، فالخسارة الكبرى كانت فى عقل النخبة الذى تميز هو الآخر بالجمود والتحوصل حول أفكار بعينها دون أن يمتلك القدرة على قبول المختلفين معه، أو ملاحقة التطور الذى فرضته متغيرات التكنولوجيا والمعرفة، ومن ثم السياسة فى العالم من حولنا. 
لذلك ظل الناصريون القوميون يسيرون على درب ميثاق عبدالناصر وتجربته، وكذلك الماركسيون الذين توقف بهم الزمن عند كارل ماركس، الليبراليون بدأوا يتعاملون بنسخة تقليدية غير قادرة على التفاعل مع عمليات التطور المتسارعة، واتسم الجميع بالتسلف شأنهم فى ذلك شأن الإسلام السياسى المتسلف بطبعه.
وربما هذا ما يفسر دخول تلك التيارات فى تحالفات سياسية مع جماعة الإخوان الإرهابية رغم الاختلاف الجوهرى فى المضامين الأيديولوجية، مثال ذلك تحالف حزب الوفد الليبرالى مع جماعة الإخوان الدينية الإرهابية فى منتصف الثمانينيات، ثم ظهور ما يسمى بالتيار القومى الإسلامى فى مطلع التسعينيات، وبعده تحالف رموز ناصرية ويسارية وليبرالية مع جماعة الإخوان فى مواجهة نظام مبارك، وقبولها كحركة سياسية دون مطالبتها بالاعتذار عن الإرهاب الذى مارسته منذ نشأتها، والتخلى عن أدبياتها المتخمة بنظريات التكفير وفتاوى الحض على العنف والإرهاب.
نتائج هذا الوضع أعقد من أن تتسع لها هذه السطور، لكن ثمة ملمحًا أساسيًا يمكن الإشارة إليه وهو أن هذه التيارات بأحزابها عاجزة عن التفاعل مع الواقع ووضع تصورات عملية لمواجهة تحدياته، ولا أظنها تستطيع تجاوز هذا العجز طالما لم تنخرط فى معركة تحرير العقل من سطوة منهج التفكير الدينى والخطاب الذى شكله وفرضه على عقل الأمة.
صحيح أن النخبة قد تأخرت فى دخول ساحة هذه المعركة، لكن الفرصة لا تزال قائمة بسبب المبادرة التى أطلقها الرئيس السيسى لتجديد الخطاب الدينى، حيث يمكن الدخول فى معركة مع الدولة لتفعيل هذه المبادرة التى تحولت إلى عبارات إنشائية تقال بشكل تقليدى فى الخطب والمناسبات العامة، فيما ترك المجال لدعاة التطرف والتخلف ليستغلوا مواد ازدراء الأديان وخدش الحياء فى قانون العقوبات، لسجن كل عقل يحاول الاجتهاد بالرأى أو الإبداع، وعلى ما يبدو فإن التهم ذاتها بدت تنال من النظام السياسى بفتوى أحد شيوخ السلفية بتحريم الضرائب واعتبار تحصيلها ظلمًا يمارسه الحاكم ضد شعبه، بل إنه أضاف أن عدم تطبيق الحدود والشريعة الإسلامية من «منظوره بالطبع» ظلم بين، والمؤكد أن الخطوة التالية سوف تكون مقاضاة رموز النظام بتهمة ازدراء الدين لمخالفة أوامره وشرائعه.
والحق أن الداعية مصطفى العدوى ليس وحده من يصدر هذا النوع من الأحكام على الدولة المصرية، فبعض علماء الأزهر ودار الإفتاء لا يزالون يتدخلون بالتحريم والتحليل فيما نظمه القانون والدستور، وأبسط مثال على ذلك فتاوى «فائدة البنوك».