فى آخر جلسة من جلسات المجلس الأعلى لثقافة الطفل، وبحضور ممثلين عن الثقافة والإعلام والتربية والتعليم، ناقشت اللجنة موضوع ثقافة الطفل وارتباطها بتربية جيل يؤمن ببلده ويتحرى الصدق فى كل أفعاله ويبعد عن العنف بعد الشمس عن الأرض، وكانت كل الاقتراحات فى عمومها تركز على الجانب العملى.
ولأن الرئيس السيسى قال إننا يجب أن نقفز عوضًا عن أن نسير، فقد اقترحت على الدولة، ممثلة فى هؤلاء، حق الطفل فى الجمال، وللحال بدا الكل موافقا ومندهشا إلى أن قال أحدهم «لأ..لأ.. لأ ده بعدين»، وذهلت ليس من هذا الرفض ولكن من سرعة تغير رأى اللجنة بكاملها، ولأن معظم الحضور من الموظفين بالدولة فإنهم مكبلون بالقواعد واللوائح والقوانين التى تجبرهم على السير وليس القفز، ولذلك قررت أن أكتب هذا المقال فى «البوابة» لمن يهمه الأمر.
الجمال يجب أن يكون فى كل شيء وليس فقط فى النظافة (جمع القمامة) وليس فقط فى (عدم طفح المجاري) بل فى التعامل مع بعضنا البعض وحتى ارتداء الملابس لا بد أن يتدخل الذوق فى اختيار الألوان وطبعًا هذا لن يتأتى إلا بارتياد متاحف الفن التشكيلى ومعارضه.
وأظن يا عزيزى القارئ أنك ممكن أن تضيف وتضيف وتضيف إلى معانى الجمال فى السلوك الإنسانى مع بعضنا البعض وفى قيادة السيارات فى الطرق ومبادلة الابتسام عند التلاقى.
وقد كنت أتمنى أن يتسع صدر اللجنة حتى أكمل ما أردت أن أبينه فأنا أتمنى أن تكون مكافأة أوائل الطلبة هى رحلة إلى متاحف الفن أو الحضارة أو العلوم.. إلخ، أو زيارة الهرم والمناطق الأثرية أو حضور الحفلات الغنائية وبالذات حفلات الموسيقى العالمية والباليه أو مسرح العرائس أو السيرك القومى، أو مشاهدة النيل وشرح من مدرس الجغرافيا لمنابعه الدائمة والفيضانية والبلاد التى يمر بها حتى يصل إلينا، وكيف أن هذا النهر منحة إلهية يجب الحفاظ عليها، نظافة وترشيد استخدام، لأن معظم الطلبة الصغار يسكنون مساكن عشوائية ولا يرون إلا القبح، ولكن فيهم الكثير من الموهوبين، ولأن فاقد الشىء لا يعطيه، ولا بد للنحلة أن تمتص رحيق أجمل الأزهار حتى تنتج العسل، ولأننى أؤمن أننا الآن فى المستقبل وليس الحاضر فلنصنعه جيدًا لأن صنع الإنسان الجيد هو الصناعة الوحيدة القادرة على أن تقفز بمصر كما نريد جميعا.
ولأن جبران خليل جبران يقول «الجمال فى عين من يراه» فلا أظنه يقصد أنك إذا كنت جميلا ترى القمامة جميلة، ولا أن ترى فى طفح المجارى أى شيء من الجمال، ولا فى بائع متجهم غضوب أى معنى «لخدمة العملاء».
ويجب أيضا تشجيع العادات الجميلة مثل القراءة، ومن أهم دروب القراءة للصغار القصص والحكايات، كل حسب سنه، خاصة ما يتناول الأبطال المصريين أو الأجانب، أيضا كيف أن الحيوانات يجب أن تعامل معاملة حسنة، وأن الزهور فى الحدائق يجب ألا تقتطف لأنها «منفعة جمالية عامة»، وقد سألت إحدى الصحفيات الكاتب الأيرلندى الشهير برنارد شو: ألا تحب الزهور؟ فدهش الرجل وقال «بل أحبها»، فقالت «ولكنى لا أرى أى زهور فى بيتك»، فرد قائلا «أنا أيضا أحب الأطفال هل تريديننى أن أقطع رءوسهم وأزين بها منزلى؟»، الفرق بين السؤال والإجابة هو الفرق بين من يعرف الجمال كمنفعة عامة ومن لا يعرف ويظن أن من حقه أن يفعل ما بدا له بغض النظر عن تأثير ذلك على المجتمع.
وأنا على المستوى الشخصى أحب أن أرتاد المتاحف الفنية مثل متحف «محمود خليل» والمعارض الفنية، وأعلم أن فنية أى فنان قد أثرت فى ملبسى من حيث انسجام الألوان، أيضا فى موسيقاى لأن من يمتلئ بالجمال يفرزه فى تخصصه، وأظن أن الدكتور أو المهندس أو المحامى أو أى مهنة يكون أرقى فى التعامل إذا استمع إلى الموسيقى وشاهد الفن التشكيلى وقرأ الشعر والروايات.
وأخيرا:
أيها الشاكى وما بك داء.......... كن جميلا ترى الوجود جميلا (إيليا أبوماضى).