لقد كان
"سيد قطب" شخصية مقلدة بطبعها، فلم يكن مبدعًا أو مبتكرًا قط، وإنما كان
يميل دائمًا إلى السطو على نجاحات الآخرين ومحاولة سرقة إبداعهم، والسطو على
اجتهاداتهم، أو على الأقل تقليد ما كتبوه، لينال شيئًا من نجاحهم، أو شهرة من
شهرتهم! وذلك لكونه كان يبحث دائمًا يبحث عن تحقيق الحلم القديم الذي غرسته أمه في
نفسه وهو ما يزال بعدُ طفلًا صغيرًا، فكان يسعى دائمًا إلى تحقيق هذا الحلم، عن
طريق تسلق أكتاف الآخرين، ليحقق النجاح السريع وبدون مجهود أو مشقة
.
ولهذا لما أراد أن يكتب سيرة ذاتية لنفسه، وخاصة في مرحلة الطفولة، عمد
إلى ما كتبه الأستاذ "طه حسين" في رسالته ذائعة الصيت: "الأيام"،
فنحتها نحتًا مُريعًا، وقلّدها تقليدًا فاحشًا، بل وزاد على ذلك فتبجح تبجحًا
منقطع النظير، فأعلن بنفسه عن سرقته لكتاب "الأيام" !
فكتب كُتيبًا صغيرًا سطحي الأسلوب، سيء العبارة وأسماه: "طفلٌ من
القرية"، كتبه على طريقة كتاب "الأيام" لــ "طه حسين"، طمعًا في أن يكتسب شهرة كشهرة "الأيام" وينال
صحبة شهرة كشهرة صاحب الأيام، ثم لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل زاد عليه فجاء بمنتهى
المنتهى في صفاقة الوجه، وثخانة الجلد، بجاحة التبجح، وكأنما أراد أن يقصّر الطريق
على من يقرأ، وكأنما أراد أن يقول: إن
كتابي هذا هو ككتاب الأيام، وعليكم معاشر الناس أن تضعوه في منزلة الأيام من
نفوسكم وعقولكم وأن تضعوا صاحبه في منزلة صاحب الأيام، فيكون أستاذًا للجيل، تمامًا
كما "طه حسين" أستاذ الجيل!
فكتب "سيد" مقدمة لكتابه الرديء، في صورة إهداء قال فيه
نصًا: “إلى صاحب كتاب الأيام .. الدكتور "طه حسين" بك، إنها يا سيدي
أيام كأيامك، عاشها طفل في القرية، في بعضها من أيامك مشابه، وفي سائرها عنها
اختلاف !!
اختلافٌ بمقدار ما يكون بين جيل وجيل، وقرية وقرية، وحياة وحياة، بل
بمقدار ما يكون بين طبيعة وطبيعة واتجاهٍ واتجاه .
و لكنها –بعد ذلك كله- أيام من الأيام !!
و بغض النظر عن الركاكة الشديدة في الأسلوب الذي كتب بها
"سيد" هذه المقدمة السخيفة، وبغض النظر –كذلك- عن محاولات
"سيد" التشبه بالدكتور "طه حسين" وسرقة نجاحه وسحب الأضواء
منه، وكذلك محاولة صناعة إسقاط على رسالته "طفل من القرية" وصناعة مقارنة بينها وبين كتاب
"الأيام" لـــ "طه حسين" !
بغض النظر عن هذا كله إلا أنني سوف أعتمد فيما هو آتٍ من مقالات
متتالية –إن شاء الله- اعتمادًا كليًا على ما خطه "سيد قطب" بيديه في
كتابه ذلك، ليكون هو بنفسه شاهدًا على نفسه، فلا نفتري عليه ولا ندعي شيئًا غير ما
كتبه بيده، ولتكون إدانته من خلال ما خطت يداه!
كتب "سيد قطب" في "طفلٌ من القرية" ترجمة للطفل
الصعيدي "سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي" والذي ولد في العام 1906 م وتحديدًا
في 9/10/1906 م في شارع الريدانية بقرية موشا القريبة من أسيوط بصعيد مصر
.
و تلقى فيها تعليمه الأولي "الابتدائي"، وظل فيها إلى أن
سافر إلى القاهرة في عام 1920 م لكي يتم دراسته، وبالفعل التحق بمدرسة المعلمين
الأولية، ومن ثم تجهيزية دار العلوم، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب منها
في العام 1933 م .
على تفصيل ما سنذكره -إن شاء الله تعالى- فيما هو آتٍ من مقالات
مسلسلة ومعنونة، لكل مرحلة بعنوان مناسب لها، منذ مولده ونشأته وحتى وفاته وإعدامه،
إن شاء الله .
و أما الآن وما نحن فيه، فهو ذكر المرحلة الأولى من حياته، أي مرحلة
الطفولة والتي عنون لها هو بنفسه بــ "طفل من القرية" تقليدًا لــ
"طه حسين" في "الأيام"، فستكون السلسلة الأولى من مقالات
"سيد قطب" هي مقالات "طفل القرية" والتي هي أهم مرحلة في
حياته، وعليها يُبنى كل ما هو آتٍ من مراحل حياته المختلفة .
إذ أنه من المقرر أن كل ما مر بــ "سيد" أو مر هو به في مراحل حياته كلها، سواءً في المراهقة والإلحاد
أو في مرحلة الشباب والأدب أو في مرحلة الكهولة الإسلامية، أو غيرها، كان له جذوره
في مرحلة الطفولة أو مرحلة "طفل القرية"، وسوف أجتهد على قدر ما أستطيع،
في كشف وبيان هذه الجذور، وآثارها في حياته، مما كانت سببًا مباشرًا في كل ما مر
به من تحولات وتناقضات، وانقلابات وتقلبات، بل وكانت سببًا مباشرًا، وأساسيًا في
تعليقه في آخر حياته على أعواد المشانق!
و في المقال القادم، سوف ندلف مباشرة –إن شاء الله- إلى حياة
"طفل القرية": "سيد قطب" على حسب ما ذكر هو في رسالته.
وفي المقال القادم للحديث بقية، إن شاء رب البرية.
آراء حرة
سيد قطب .. طفلٌ من القرية! (1)
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق