لم تظهر خرافة التفريق بين منهجى «حسن البنا» و«سيد قطب» إلا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضى، على يد القيادى الإخوانى وعضو الهيئة التأسيسية للإخوان عضو مكتب الإرشاد في وقتها «فريد عبدالخالق»!
فكان «عبدالخالق» هو أول من اخترع هذه الفكرة وابتدعها وأنشأها من العدم، وهو أول من فرَّق بين «حسن البنا» و«سيد قطب»، وذلك أنه لما انتهت فتنة «جماعة المسلمين» أو ما كانت تعرف بــ«جماعة التكفير والدعوة»، في أواسط ونهايات السبعينيات من القرن الماضى، ثم ظهر تنظيم الجهاد، بأعماله الإرهابية والإجرامية هو الآخر، وكان كلا التنظيمين يؤكدان أنها يستقيان أفكارهما، وعقيدتهما الإرهابية والتكفيرية مما كتبه «سيد قطب» في كتبه، بل لقد كان «شكرى مصطفى» الإرهابى المجرم، وقاتل الشيخ العلامة «محمد حسين الذهبى» بيديه الآثمة المجرمة، أول تلميذ مباشر للمجرم الأكبر والإرهابى الأعظم «سيد قطب»، وأول حامل لأفكاره ومطبقها على أرض الواقع، بسفك الدم الحرام، وترويع الآمنين وإرهاب المسلمين!
ولما كان «شكرى»، وكذلك تنظيم الجهاد، يؤكدان علنًا أن مرجعيتهما الفكرية في أفعالهما الإرهابية هي كتب المدعو «سيد»، ولما كان «سيد» يعد قياديا إخوانيًا كبيرًا، فإن ذلك سبب حرجًا كبيرًا لتنظيم الإخوان ولقياداتهم ولمكتب إرشادهم، فقد كانوا دائمًا ما يعلنون براءاتهم من الإرهاب والتكفير ويزعمون أنهم جماعة مسالمة، و«فصيل وطنى شريف معارض»! وأنهم لا يكفرون الدولة المصرية ولا النظام الحاكم، ومع ذلك أن يخرج من يكفرون البشرية بأسرها، ويكفرون الكوكب بكل من يعيش على ظهره، فيعلنون للعالمين، ويسمعون الخافقين أنهم قد خرجوا من رحم الإخوان وأنهم تتلمذوا على أيدى قيادى من أكبر قيادات الإخوان وأكثرهم شهرة!
فكان لا بد لقيادات الإخوان أن يعملوا على أن يخرجوا من هذا المأزق الحرج، بأية وسيلة –مهما كانت رخيصة- وإلا اكُتشفت حقيقتهم، وبان كذبهم، وعرف الناس ضلالهم، وتبينوا أنهم يتنفسون كما يكذبون! وأنهم يخفون حقيقتهم التكفيرية الإرهابية، خلف شعارات كاذبة براقة من ادعاء السلمية والوسطية ومحاربة التكفير والتبرؤ منه!
وهنا تفتق ذهن القيادى الإخوانى «فريد عبدالخالق» عن حيلة شيطانية إبليسية خبيثة، يعجز الشيطان الرجيم نفسه عن مثلها (بل إننى أظن أن الشيطان نفسه قد انبهر من تلك الحيلة وركع بين يديه مبديًا إعجابه الشديد بعبقريته وخبثه، طالبًا السماح له بالتتلمذ على يديه والنهل من بحر أفكاره الخبيثة!)، فاخترع «عبدالخالق» خرافة اسماها «المنهج القطبى» الذي هو منهج متطرف ومرفوض من قبل الإخوان الوسطيين! والذين يتبعون «المنهج البنّاوى»! –نسبة لــ«حسن البنا»- وأعلن «عبدالخالق» ومن وراءه مكتب إرشاد الجماعة وقيادات الإخوان، رفضهم لهذا المنهج، وتبرؤهم منه، وأن هذا المنهج لا يمثل الإخوان ولا يعبر عنهم، وأنهم غير راضيين عما حوته كتب «سيد قطب» من تكفير للمجتمعات بل والبشرية جميعها!
بل ولم تتوقف حيلته الخبيثة عند هذا الحد، بل تجاوزتها بمراحل (وحينها شهق الشيطان الرجيم انبهارًا وإعجابًا!)، فأصدر أمرًا مباشرًا –بصفته عضوًا في مكتب الإرشاد- إلى كل من القياديين الإخوانيين: «يوسف القرضاوى» المصرى الجنسية، و«يوسف العظم» الأردنى الجنسية، بأن يبدآ حملة شديدة في التشنيع على «سيد قطب» وكتبه، وأن يتهماه علنًا بالتكفير ومخالفة منهج الإمام! «حسن البنا»، وببُعده تمام البعد عما سماه بــ«وسطية الإخوان»!!
وبالفعل بدء اليوسفان! في تنفيذ الأوامر الصادرة إليهما، بالتكليف المباشر من عضو مكتب الإرشاد، وأخذا في كتابة المقالات وتصنيف الكتب وإلقاء المحاضرات، التي تشنع جميعها، على كتب «سيد»، وتبين ما حوته من تكفير وانحراف عن الإسلام الصحيح!
ليكون ذلك ذرًا للرماد في أعين كل من يتهم الإخوان بالتكفير، بسبب ما كتبه «سيد قطب» في كتبه كـــ«في ظلال القرآن» و«معالم على الطريق» و«المستقبل لهذا الدين» وغيرها من الكتب التي تنضح بالتكفير من أولها إلى آخرها، والتي هي في حقيقتها تعبيرًا حقيقيًا، وصريحًا عن عقيدة الإخوان وعقيدة «حسن البنا»!
فــ«سيد قطب» لم يزد في كل ما كتبه سوى عن تدوين عقيدة «حسن البنا» الذي مات ولم يكتبها، ليس لأنه لم يرد أن يكتبها، ولكن لكونه كان شخصًا خبيثًا يستعمل التقية في جميع شأنه، فلم يرد أن يكتب شيئًا يؤخذ عليه أو يكون دليلًا ضده، فكان يكتفى بأن ينثر عقيدة شفهيًا بين من يثق بهم من أتباعه، فجاء «سيد قطب» بما هو معروف عنه من عصبية وتهور وطيش، فكشف ما أخفاه «البنا» من قبل، فأحرج الإخوان وكشف مستور أمرهم، وهنا كان لا بد لهذه الحيلة الخبيثة التي قام بها «فريد عبدالخالق» بالاستعانة باليوسفين! «القرضاوى» و«العظم»، مع التأكيد في الوقت ذاته، لكل الإخوان من أعضاء التنظيم بأن هذا كله ليس موجهًا إليهم، وإنما هو لــ«الاستهلاك المحلى» ليس أكثر، وأن «سيد» هو ابن التنظيم وسيظل!!
وسوف نجتهد هنا –إن شاء الله- في دحض هذه الفرية وكشفها بالأدلة من كلام الإخوان أنفسهم، وإثبات أنه لا فارق البتة بين «حسن البنا» و«سيد قطب» وأنهما إخوان متحابان في الشيطان!
وفى المقالِ القادمِ للحديثِ بقية، إن شاء ربُّ البرية.