الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شبكات التواصل الاجتماعي بين المأساة والملهاة "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار إعلان وزارة الداخلية المصرية منذ شهور تنفيذ مشروع للرقابة على الشبكات الاجتماعية كثيراً من الجدل حول مدى مشروعيته ومدى تأثيره على الحريات المدنية، ومدى علاقة ذلك بحماية أمن الفرد والمجتمع، ويأتى ذلك فى ظل عدد من المتغيرات التى تتمثل فى تزايد عدد مستخدمى الإنترنت وتصاعد حجم الأخطار المرتبطة بالشبكات الاجتماعية، والتى برزت كعنصر تهديد جديد للأمن القومى سواء من قبل أجهزة استخبارات دولية أو جماعات إرهابية أو باستخدامها فى القرصنة والجريمة الإلكترونية، وتزامن ذلك مع تحولها لمنصة مهمة للرأى والتعبير، وفى ظل عملية التحول فى طبيعة الحقوق والحريات.
فعلى الرغم من دور الشبكات الاجتماعية الإيجابى فى مسيرة التغيير والإصلاح خلال المرحلة الانتقالية وفى كل من موجتى التغيير فى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، إلا أنها كشفت عن دور سلبى أصبح يتزايد مع ضعف المواجهة وقلة الوعى وأصبحت تصيب تلك الآثار طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع عبر نشر اتجاهات عدم الثقة والتأثير السلبى فى بنية المجتمع، وأتاحت البيئة الإلكترونية المفتوحة والعابرة للحدود الفرصة أمام أطراف خارجية فى التدخل فى الشئون الداخلية، واستخدمت الجماعات الإرهابية الشبكات الاجتماعية كمنصة إعلامية جديدة لما توفره من سهولة فى تدشين حسابات وصعوبة الحجب من قبل الدولة والعمل على اختراق القاعدة الشبابية، ويتم استخدام الشبكات الاجتماعية فى شن الحملات الإلكترونية المغرضة، ويتم استخدام الصور والفيديوهات المتحيزة لوجهة نظر معينة لشحن الرأى العام والتى قد يتم تركيبها أو اختلاقها أو إعادة استخدامها بشكل يؤثر فى تحريك الأحداث، وفى شن الحروب النفسية ونشر الشائعات التى قد تضر المصالح القومية بغية التأثير على الاستقرار الداخلى.
وأصبح الارتباط المتزايد للأفراد بالخدمات التكنولوجية يعطى قابلية التعرض للاستخدام غير الآمن لمعلوماتهم الشخصية والتى تنتج جراء نشاطهم الإلكترونى فى عديدٍ من المواقع والخدمات والشبكات والاتصالات، وهى بمثابة كنز مهم تلهث خلفه الشركات التجارية لاستخدامه فى الهندسة الاجتماعية أو من جانب أجهزة الاستخبارات الدولية للاستفادة منه فى التأثير على توجهات الأفراد ثم التأثير فى المجتمعات والدول.
وأصبح الواقع المصرى يشير إلى استخدام الشبكات الاجتماعية فى جرائم الابتزاز والسرقة وانتحال الشخصية وتشويه السمعة والسب والقذف ناهيك عن الأعمال المنافية للآداب ونشر أفكار هدامة داخل المجتمع.. وهناك تأثير آخر يتعلق بإهدار الوقت والقوة البشرية لملايين من الشباب المصرى وتأثيره على قيمة العمل والإنتاج والأسرة والعلاقات الاجتماعية، وتفرض تلك التحديات الجديدة الموازنة بين الحق فى الاستخدام والحيلولة دون أن يمثل تهديداً لأمن المجتمع، وهو ما يدفع إلى أهمية وجود ضوابط تحكم عملية الاستخدام وترشده، وأن يتم التعامل مع تلك الأخطار وفق خصائصها المتميزة، وهو ما يحتاج لاستراتيجية شاملة لا تركز فقط على الحل الأمنى بل تأخذ فى اعتبارها الأبعاد الأخرى كافة، كالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولعل أهمها قضية صناعة التكنولوجيا وخاصة مع تحالف الأجهزة الأمنية الكبرى بشكلٍ أو بآخر مع الشركات التكنولوجية فى مجال البرمجيات أو الأجهزة التى تصنعها وتحتكرها، وهو الأمر الذى يجعل الدول المستهلكة عرضة للخطر سواء ما يتعلق بأمن مواطنيها أو التعرض للهجمات الإلكترونية ضد منشآت الدولة الحيوية.
إن هذا يتطلب إدخال الفضاء الإلكترونى ضمن استراتيجية الأمن القومى، وأن تستهدف كل مصادر الخطر لقيم المجتمع وليس النشطاء السياسيين، وأهمية العمل على الحفاظ على الحريات والخصوصية، وخاصة مع نص الدستور المصرى فى المادة «٥٧» فى فقرتها الثانية على حماية المراسلات الإلكترونية والهاتفية وسريتها، وتؤكدها المادة «٩٩» باعتبار الاعتداء على الحقوق والحريات جريمة لا تسقط بالتقادم، ويأتى إلى جانب ذلك تحديث الإطار القانونى الذى يحافظ على خصوصية الأفراد وأمنهم بتبنى قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية وحماية المعلومات الشخصية، وأهمية دور الفرد فى تحمله المسئولية وتنمية ثقافته حول الاستخدام الآمن، وتعزيز دور المجتمع المدنى والإعلام فى نشر الوعى، والرقابة القضائية والبرلمانية على أداء الأجهزة الأمنية، ونشر ثقافة أمن المعلومات، وهو الأمر الذى يفرض أهمية الاستثمار فى تنمية صناعة التكنولوجيا وثقافة الإبداع والابتكار لدى الشباب بدلاً من الاستثمار فى مجال برامج الرقابة والتجسس.
إن مراقبة وزارة الداخلية المصرية لشبكات التواصل الاجتماعى على الإنترنت، لا تعنى متابعة أشخاص بعينهم، بينما هى مراقبة للمحتوى المتداول على الفيس بوك وتويتر، عن طريق عدة مصطلحات أو كلمات محظورة مثل «ثورة»، «انقلاب»، «مرسى»، «السيسى»، «مسيرة»، «قنبلة»، «حرق»، بالإضافة إلى الهاشتاجات التى لها دلالة معينة وتظهر فى وقت محدد، فالغرض من تلك المراقبات هو الوصول إلى الأدمن، كما أن هناك عدداً من البرامج التى تهدف إلى رصد توجهات الأشخاص، أو المجموعات أو الجماعات عبر الإنترنت.
إن تلك البرامج تؤدى إلى إمكانية ربط العلاقات وتحليل البيانات وإعطاء معلومات، فتتيح الفرصة للوصول إلى أدمن الصفحات، بجانب تسهيل عملية اكتشاف مديرى المواقع والصفحات التى تهدف إلى تدمير الوطن، فيستطيع من خلالها المعنيون بهذا الشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة، وأكد عبدالمنعم أن وزارة الداخلية تبحث عن آلية تراقب كل من يحرض على أعمال العنف أو الإرهاب داخل البلاد، مشدداً على وضع ضوابط تشريعية وقانونية لمنع سوء استخدام هذه التقنية، مبرراً بأن الحوارات الخاصة لها حُرمة، ولكن فى حالة أن يصبح الحوار عاماً ويؤثر على الأمن القومى للمجتمع، فمن الضرورى تدخل رجال الداخلية من أجل مراقبة خطوط تلك الحوارات. ومن الممكن أن يتم وضع ميثاق شرف لأخلاقيات وضوابط استخدام شبكات التواصل الاجتماعى بالتزامن مع توعية المستخدمين بمخاطرها، كما يمكن أن تقوم الدولة بتدشين برامج تحفيزية لمستخدمى الإنترنت لتشجيعهم على استخدام الشبكة العنكبوتية فى تطوير تطبيقات مجتمعية تعود بالنفع على الصالح العام.
وللحديث بقية..