الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا سقط الشباب من برنامج الحكومة؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«بشرة خير» .. كان هذا هو تعليقى التلقائى على برنامج حكومة المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، الذى اختار شعارًا رائعًا هو «نعم نستطيع»، كعنوان حاكم لبرنامج الحكومة الذى عرضته منذ أيام أمام مجلس النواب.
فتَحْتَ هذا العنوان المليء بالأمل والتحدى ألقت الحكومة بيانها المنتظر منذ شهور أمام مجلس النواب، وزاد من عوامل توافر الثقة فى البيان، أنه قدم رؤية شاملة لما ينتظر أن تكون عليه الأوضاع، تماشيًا مع ما طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى لبرنامج «مصر ٢٠٣٠».. وثقة الحكومة يمكن لمسها بداية من خلال طرحها للمشاكل التى تواجه البلاد، وهى المشاكل التى دفعت رئيس الحكومة أن يصف المرحلة الحالية بأنها «مرحلة الخطر».
والحقيقة أن التحديات الكبيرة التى تواجه البلاد فى المرحلة الحاسمة التى تمر بها مصر مثل الزيادة السكانية الرهيبة، حيث ارتفع عدد السكان من ٧٧ مليونا فى ٢٠٠٩ إلى ٩٠ مليونا فى ٢٠١٥، بمعدل يفوق كوريا الجنوبية ٨ أضعاف، و٤ أضعاف المعدل الصيني، وبالطبع لا يخفى على أحد ما تعنيه هذه الزيادة من التهام قدرات الدولة على توفير الخدمات، أو رفع معدلات التنمية.
وهناك بخلاف الزيادة السكانية التباطؤ فى النشاط الاقتصادى خلال السنوات السابقة، تراجع السياحة، ارتفاع عجز الموازنة، وغيرهما من أزمات يعرفها كل مواطن بعد أن لمس آثارها واضحة خلال الفترة الماضية.
لكن الملاحظة الخطيرة التى يمكن توجيهها لهذا البيان أنه لم يقدم لنا ملامح واضحة حول مشاركة الشباب فى تحقيق هذه الآمال والطموحات المرجوة، وهنا بيت القصيد أو «مربط الفرس» بحسب التعبير الشعبى الدارج.
فلم يقل لنا هذا البيان من هم الأشخاص الذين سيقع على عاتقهم تنفيذ هذا المشروع المفعم بالأمل؟ وما هى آليات تنفيذه؟ وما دور الشباب فيه؟ أم أننا سنكرر الأخطاء الماضية بتنحية الشباب جانبًا وعزلهم عن المجتمع، ومن ثم الإلقاء بهم فى أحضان الجهل والتطرف والإرهاب والإدمان؟!
فمنذ قديم الأزل، يواجه الشباب فى مصر تحديات مزمنة، يمكن إجمالها فى الفقر والبطالة وارتفاع معدلات العنوسة بين الجنسين والإدمان وانعدام الرؤية المستقبلية، وكلها تؤدى إلى نتيجة واحدة، عنوانها اليأس والإحباط والانعزال وفقد الوازع الوطنى والانتماء، وجميعها بمثابة عوامل هدم خطيرة لأجيال كاملة.
وبفضل انتشار تقنيات الاتصال الحديثة طفا على السطح اسم جديد للتحديات التى تواجه الشباب العربى هو «التهميش»، حيث نجحت مواقع التواصل الاجتماعى فى اجتذاب الملايين من هذه الفئة كبديل للمشاركة الحقيقية للشباب، وراحوا يعبرون عن الأزمات التى يمرون بها، وتشير كل التقارير إلى أنهم يقعون فريسة للتجاهل الاجتماعى والوظيفي، حيث لا تتاح لهم أى فرصة فى الإبداع أو المناصب القيادية أو حتى إبداء الرأي، والحجة جاهزة «نقص الخبرة وعدم الدراية»، وكأن من يتولون هذه المناصب ولدوا عباقرة وقياديين، ونسى هؤلاء- أو تناسوا- أن عمر الوزير فى دولة متقدمة مثل النمسا يبدأ من ٢٧ عامًا.
الأمر الذى وضعنا أمام تحد خطير من نوع جديد من أجل إصلاح ما أفسدته الأوضاع المؤدية لهذه النتائج الخطيرة، وبات لزامًا على كل مسئول الاضطلاع بمسئولياته أولا لإدراك حجم ونتائج هذه التحديات، ومن ثم اتخاذ الخطوات العملية لإيجاد حلول جذرية لها.
وتستلزم هذه الخطوة ضرورة التعرف على تركيبة وخصائص هذا الجيل الشاب، واستقراء أنماطه الجديدة فى المشاركة المجتمعية، والوقوف على نمط تفاعل المجتمع معه، بعدما فرض نفسه هذا الجيل وحراكه السياسى كفاعل أساسى فى عملية التغيير، مع ضرورة إدراك قدرة الشباب العربى هذا على فرض نفسه وأفكاره وقيمه وآلياته على الواقع.
ويرتبط هذا بحقيقة مفادها أن الشباب يمثلون أكثر من ٥٠ فى المائة من المواطنين فى كل المجتمعات العربية، وبالتالى فهم من يضخون- كل عام- أعدادًا جديدة إلى سوق العمل، ويتوقعون وظائف وأعمالا تلبى طموحاتهم وتطلعاتهم، كما أنهم- بالمقابل- من أكثر فئات المجتمع معاناةً من الآثار الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة للبطالة، سواء بعد انتهاء فترات دراستهم أو تدريبهم، أو من خلال الانتقال لاحقًا من سوق العمل إلى البطالة.
فلم تعد مهمة تمكين الشباب نوعًا من الرفاهية الاجتماعية، بل هى فى واقع الأمر مهمة إنقاذ عاجلة، وتحتاج منحها الأولوية من قبل الحكومات والنخب والمجتمعات العربية، ليس فقط لأن ذلك هو المتوقع والطبيعى فى كل المجتمعات الإنسانية، بل لأنه أمر أكثر إلحاحًا فى ظل المخاطر والتحديات التى تواجهها المجتمعات العربية اليوم- وفى الغد القريب- ما بين مواجهة الإرهاب والحرب عليه سعيًا للقضاء عليه من جهة، وتحقيق الاستقرار القائم على التوازن الإيجابى لبنية المجتمعات التى يشكل الشباب أغلبيتها.
لن ينهض المجتمع ولن تتحقق التنمية المرجوة وشبابنا معزولون عن المشاركة الإيجابية فى مسيرة التنمية، ولعلنا أحوج- الآن أكثر من أى وقت مضى- إلى إتاحة الفرصة أمامهم، ليثبتوا ذاتهم ويسهموا فى بناء مصر الحديثة التى تبنى ولا تهدم، تجمع ولا تفرق، تتقدم ولا تتأخر.