الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (14)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مازال النقاش دائرًا حول ماهية جماعة الإخوان المسلمين، هل هي جماعة دينية أم سياسية، أم خليط بين الدعوة والسياسة؛ فإذا كانت جماعة دينية بحق، فما علاقة أن يكون لها جناح عسكري، وماذا ذهب تفكير مؤسسها عندما شرع في ذلك.
فلا يمكن أن تُغني أهداف ونوايا من أنشأ النظام الخاص عن وصف الجماعة بأنها سياسية أو ميلشيا عسكرية بعد أن أصبح لها قوات عسكرية، وإذا كانت تنتهج الجماعة السياسة خطًا لها ومسارًا لعملها، فما علاقة استخدام العنف حتى وإن كان ضد محتلين أجانب كما تروج الجماعة لأهداف الجناح العسكري، وهل يمكن أن تتحول الميلشيا لعمل سياسي بعد أن تمارس دورها المسلح مع الخصوم؟، وكيف يستقيم إطلاق لفظ السياسية على تنظيم مارس العمل الديني تارة والسياسي تارة أخرى والعمل العسكري تارة ثالثة، ودعوى تبريره في ذلك سمو المعركة التي يدخلها مع المستعمر في ذلك الوقت، متناسيًا في ذات الوقت أنه طالما برر لنفسه حمل السلاح حتى وإن كان ضد المحتل فإنه سوف يحمله في مناسبة أخرى ضد بني جلدته وهو ما حدث بالفعل.
التنظيم العسكري داخل الإخوان مارس العنف ضد قيادة الجماعة ذاتها، وكان ذلك واضحًا من مقتل السيد فايز، الذي أوكل إليه المرشد حسن الهضيبي، قيادة التنظيم الخاص عندما تصاعدت حدة الخلاف مع عبد الرحمن السندي حول ضرورات استئذانه قبل تنفيذ أي من العمليات المسلحة.
اتخذ النظام الخاص في الإخوان المسلمين قول الله تبارك وتعالى،: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم" شعارًا واعتبرت الجماعة أن القوة العسكرية التي أنشأتها للقتل والتفجير إنما هي إذعان في الحقيقة لأمر إلهي جاء في نص الآية السابقة.
من المفارقات بشأن النظام الخاص للجماعة وإستراتيجية عمله وسبب إنشائه، دعوة الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر، مكتب إرشاد الإخوان ومرشدهم حسن الهضيبي لمأدبة عشاء بمنزله في نوفمبر عام 1953 مطالبًا إياهم بحل النظام الخاص (القوة العسكرية التي أنشأتها الجماعة على هامش التنظيم) معللًا ذلك بأنه تفهم وجودة أيام الملك، ولكنة غير مبرر استمراره بعد الثورة إلا إذا كان يضمر شيئًا للحكومة والدولة الوليدة، بعدها تصاعدت حدة الخلاف بين الدولة و جماعة الإخوان والجناح العسكري كان حاضرًا في هذا الخلاف بقوة بعد المطالبة بحله، حتى صدر قرار بحل الجماعة بأكملها في يناير 1954، وهذا دليل على أن نشأة النظام الخاص للجماعة لم يكن مرتبطًا بفكرة مواجهة المحتل الأجنبي، وإذا كان فما جدوى وجوده بعد ثورة 1952، وقتها أعلنت الدولة ورئيسها حل كل الميلشيات المسلحة واحتكار الدولة للعنف أو القوة، إلا أن الجماعة رفضت ذلك واستمرت على بقائه، فما معنى أن تكون هناك دولة في ظل وجود ميليشيات مسلحة.
رغم صدور قرار حل الجماعة منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن الدولة تراجعت عنه أمام بعض الاحتجاجات التي رأت الدولة معها إعطاء فرصة جديدة للتنظيم، خاصة أن ذلك تزامن مع مظاهرات المصريين في مصر، هذا بخلاف التظاهرات في السودان والتي احتجت على تنحية الرئيس محمد نجيب.
الجماعة لم تُكذب خبرًا، ولم تسعى لحل النظام الخاص، بل رأت أهمية في وجودة، وسعوا لاستكمال إنشاء النظام السري والعمل على ممارسة عمله، وهو ما يُعني أن الإخوان كانوا يؤمنون بالعمل السري والمسلح معًا من منطلق الضرورة للمواجهة.
مع مواجهة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر اختفى مرشد الإخوان حسن الهضيبي، فلم تعد الجماعة تعرف مكانة، رغم أن الأوامر كانت تصل الجماعة باسم المرشد العام، حتى أصبح الإخوان في شك من هذه الأوامر بعد الاختفاء السريع، ومع الهضيبي اختفى بعض مساعديه مثل يوسف طلعت، أهم الذين كان يثق فيهم مرشد الجماعة، حتى أصبحنا أمام جماعة ترفض حل النظام الخاص وتتلذذ بالعمل السري!
وفي هذه الآونة قاد يوسف طلعت التنظيم السري بترشيح من الشيخ محمد فرغلي، فقد كان وثيق الصلة بطلعت فكان من نفس شُعبته بمحافظة الإسماعيلية، كما أن شخصية "طلعت" الضعيفة دفعت عبد الرحمن السندي، لترشيحه في ذات المنصب، خاصة وأن الأخير شخصية قوية ولا يُحبذا لمثل هذه المواقع إلا الضعفاء حتى لا يزول سلطته وسلطانة، وكان ذلك عندما تأزمت فكرة بقاء "السندي" في منصبة كمسئول أول عن النظام الخاص.
اختفاء مرشد الإخوان وقتها لا يعني سوى أن الجماعة قررت العودة إلى العمل السري، خاصة أن محاولة استهداف الرئيس جمال عبد الناصر كانت شاهدة على عودة العنف داخل أروقة ومؤسسات الجماعة من جديد.
بذرة الجماعة الأولى احتفت بإنشاء النظام الخاص ورفضت حله رغم طلب رئيس الجمهورية ذلك على عشاء جمع مكتب الإرشاد والمرشد، كما أنهم اتجهوا للاختفاء عن المشهد مفضلين العمل السري من أجل استمرار هذا النظام ومواجهة الدولة التي تسعى لإنهاء فكرة مزاحمتها في امتلاك أدوات الردع.. وللحديث بقية.