قضايا القتل الغامضة في العالم كله، يتم التعامل معها بدقة متناهية وحرص شديد، ويتحقق ذلك بالتأنى في كشف ملابسات الجريمة وليس التسرع، خوفا من اتهام شخص بالخطأ، لأن العقوبة قد تصل للإعدام، وهنا يتم التعامل على أن الجريمة قد تصبح جريمتين بإعدام شخص بريء، نسبة الخطأ في العالم المتقدم في مثل هذه القضايا تكون ضئيلة جدا، إنما في مصر حدث ولا حرج.
السيناريو متكرر غالبا، في كل قضايا القتل يتم العثور على الجثة، ثم يتم إبلاغ القسم وبعده النيابة، ويبدأ فريق البحث التابع لمباحث القسم الذي يقع في دائرة الجريمة، في البحث عن القاتل وكشف غموض القضية، وعندما تستعصى عن الحل مبكرا، يتم تشكيل فريق بحث تابع لإدارة مباحث مديرية الأمن التابع لها القسم، وينتدب أكفأ الضباط للعمل في هذا الفريق إلى أن يتم كشف ملابسات القضية وضبط القاتل.
وما إن يبدأ فريق المباحث بالعمل، حتى يتعرض لضغوط كبيرة من كل الجهات لسرعة ضبط الجانى، وكشف طلاسم القضية، ضغوط من رؤسائهم الذين يتعرضون أيضا لضغوط من المسئولين في وزارة الداخلية، وخاصة إذا كان للقضية طابع الرأى العام، كما يتعرضون لضغوط من المجتمع ومن الإعلام، ومن هنا يتم استعجال النتائج وعليه يتورط فريق البحث في «الاستعجال»، أي أنهم لا بد أن يقبضوا على «القاتل» بسرعة،
ومن هنا تحدث الأخطاء، التي قد تكون أخطاء جسيمة، ولعلنا نذكر ما حدث في حادثة القتل الشهيرة في المنيا منذ عدة سنوات، والتي تم فيها القبض على شاب ثم برأته المحكمة بسبب مقاس الحذاء.
والعديد أيضا من جرائم القتل يحدث أن يتهم شخص بريء، وقد يعترف على نفسه حتى يتخلص من الضرب والتعذيب داخل قسم الشرطة، ولكنه في النيابة ينكر ذلك تمامًا.
في الدول الأخرى تحدث جرائم قتل، ولا تتعرض فرق البحث لمثل هذه الضغوط ولا يستعجل المجتمع النتائج، لذلك من الممكن جدا ألا يعثر في قضية ما مهما كانت بشاعتها على الجاني، ولا تتعرض الشرطة في هذه الحالة إلى اللوم، يتعرضون للوم لأنهم لم يمنعوا حدوث الجريمة، ولذلك فإن مجهوداتهم في البلدان المتقدمة قائمة على منع حدوث الجريمة وتجنب وقوعها من الأساس.
والسيناريو التي تسير به الأمور في مصر من أصغر قضية إلى أكبر قضية تشغل الرأى العام، نجده أيضا قد تكرر في قضية مقتل الطالب الإيطالى «ريجيني»، وطبعا الضغوط هذه المرة كانت دولية، وهو السبب الرئيسى في عدم تصديق أحد للرواية الأخيرة، فإن الرواية تقول إن الشرطة استطاعت مداهمة شقة توجد بها عصابة تضم خمسة أفراد، تخصصوا في سرقة الأجانب بالإكراه، وبمجرد ذكر «الإكراه» توجد إشارة إلى إمكانية ارتكاب العصابة لجرائم قتل لمن لم يستجب من المجنى عليهم لتهديدهم أو يقاومهم، وطبعا فكرة أنهم تخصصوا في سرقة الأجانب توحى بأنهم وراء مقتل الطالب الإيطالي، وبعد ذلك قيل إن الشرطة عثرت على متعلقات «ريجيني» عندهم في المنزل، ثم نفت ذلك وقالت إنها عثرت عليها في شقة شقيقة أحد المتهمين، ثم نفت الداخلية أن مساعد الوزير للأمن العام قال أي شيء من ذلك كله، ونفت أن تكون هي نفسها عبر جهازها الإعلامي قد صرحت بهذه القصة من الأساس، ولم تنف طبعًا قصة العصابة التي تسرق الأجانب بالإكراه، هذه العصابة التي قتل أعضاؤها الخمسة أصلًا في المواجهات مع الشرطة أثناء مداهمة منزلهم في التجمع الخامس.
وبغض النظر عمن قتل الطالب الإيطالي؟ فإن الآلية التي تسير بها الأمور في قضايا القتل هي في الأساس خطأ، ويترتب عليها أخطاء أخرى على رأسها اتهام شخص بالباطل، حتى يتخلصوا من الضغوط، والتي تتمثل في «أنكم فشلة».
وفى حالة الفشل، فإن فريق البحث يتعرض للوم وعليه وضع أسماء الضباط في القائمة السوداء، فيتأخر الترقى ويتم نقلهم في أول حركة إلى مكان آخر كعقاب لهم على الفشل، وهو ما يجعل من ضابط المباحث متوترا جدا أثناء الكشف عن جريمة غامضة، ويلصق التهمة بأى أحد تحوم حوله الشبهات دون التأكد من أنه الفاعل، أنا هنا أتحدث عن جرائم القتل بشكل عام وما يجرى فيها من أخطاء في سبيل الكشف عنها، لذلك لم أندهش من أداء الداخلية في قضية «ريجيني»، لأنه هو أسلوبها المعتاد في كل جرائم القتل، وهو خطأ مع سبق الإصرار والترصد.