الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (13)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خاب أمل حسن البنا في النخبة المجتمعية عند بداية انطلاق دعوته في العقد الثاني من القرن العشرين فاضطر للعمل على محورين أحدهما هو تجييش المجتمع خلف هذه الدعوة من خلال خطاب هوّياتي كانت بذرته المجتمع، فهو أول من رسخ لإنشاء قوى احتجاج أيديولوجي، وبذلك تحول من فكرة الدعوة إلى الإصلاح الديني إلى الدعوة إلى الإصلاح السياسي ومنها تحول إلى فكرة فرض ضرورات هذا الإصلاح من خلال القوة التي تحدث عنها في رسالة المؤتمر الخامس.
والمحور الثاني، انتقل من خلاله إلى فرض نظريته الدينية من خلال إنشاء النظام الخاص للجماعة في نهاية الثلاثينات، وبذلك انتقل من مربع الدعوة العلانية التي أخذ العمل من خلالها إلى مربع الدعوة السرية، وبدأ يُطبق أفكاره التي طالما دعا إليها، وسرية الدعوة أحد أهم سمات وضعية الجماعة التي استطاعت من خلالها الحفاظ على نسيجها التنظيمي حتى هذه اللحظة من عمر التنظيم.
بدا حسن البنا مؤثرًا في النخبة المصرية ثم انصرف من خلالها إلى قاع المجتمع، خاصة أن هذه النخبة لم تُلب طموحه فاضطر لاستخدامهم في معركته فيما بعد، ولكنه أدرك أن المعركة الأساسية مع تفاصيل المجتمع الصغير في القرى والنجوع، فهو يرى أن حياة التنظيم سوف تكون مع هؤلاء المهملين فكريًا وثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وهم من يمثلون جنود متحركة، ومن خلالهم تستطيع أن تُفسر سر شعبية التنظيم وغيره من التنظيمات الدينية التي تتخذ الأماكن المجهولة مجتمعًا لها.
عشر سنوات من عمر جماعة الإخوان المسلمين قضاها حسن البنا بخطابة الجذاب بين نُخب المجتمع المصري وتفاصيله الصغيرة بعد أن زار قرابة أربعة آلاف قرية في الريف حسب روايات الجماعة، بعدها قرر الانصراف إلى عالم القوة فبات ظهر الجماعة أقوى وباتت يدها تضغط على القرار السياسي في ذلك الوقت، كما نجح جهازها الإعلامي في تبرير العمليات المسلحة التي قام بها التنظيم وحفرت فيما بعد لمقولة المرشد السادس محمد المأمون الهضيبي، الذي قال إننا كنا نتعبد إلى الله بالنظام الخاص، فتحولت العبارة من اعتراف تُؤخذ بجريرته جماعة كانت تعمل في العلن عشرات السنين في ظل حكومات متعاقبة، إلى تبرير جديد للعمليات المسلحة التي قامت بها ضد الأبرياء.
رفض الإخوان بقيادة حسن الهضيبي حل النظام الخاص وكان مبررهم في ذلك بعد استضافة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر لكامل مكتب الإرشاد في بيته على العشاء، حل النظام، رفض طلب عبد الناصر دفعه للتعامل مع الجماعة وجناحها العسكري كمليشيا مسلحة بعدم عرض مبررات الاحتفاظ بالجناح العسكري بعد قيام الثورة ووجود جيش يدافع عن أراضيه ضد أي محتل أو غاصب أو معتدٍ.
تفكير البنا في تبنية لضرورات وجود نظام خاص أن يكون ذراع يمكن استخدامها ليس في العقاب وإنما في تطبيق الفكرة بشكل عملي وإحداث إحلال وتجديد وفق رؤيته لشكل الدولة، ولذلك مات حسن البنا قبل أن يقوم بحل النظام الخاص رغم ما جاء في أدبيات الجماعة انتقاده لبعض سلوكه وهو القائم على التنظيم بشكله الدعوى والمسلح معًا، كما أن الهضيبي لم يسع للحل هو الآخر، وإنما استبدل القيادة داخل النظام الخاص، فأحال عبد الرحمن السندي للتقاعد وعين مكانه السيد فايز، الذي قتل في ظروف غامضة.
تحكي الرواية التاريخية أنه لم يأخذ قرارًا بالحل إلا عندما أغلقت في وجهه كل منافذ السيطرة على النظام الخاص، الذي يرى ضرورة وأهمية في بقائه، بل واعتدى النظام الخاص على شخصه من خلال إجباره على الرحيل وتقديم استقالته واحتلال مقر الجماعة في ذلك الوقت.
الجماعة ترى ضرورة في وجود القوة، فلا يمكن لدعوة أن تحيا بدون قوة تحميها، ولعل ذلك يُفسر سر السيفين المتقاطعين يعلوهما مصحف وجزء من الآية الكريمة "وأعدوا" في شعار الجماعة.. وللحديث بقية.