فى ندوة أقامها مركز «البوابة» نيوز بإدارة عادل الضوى وكل من المثقف الرائع سمير غريب والصحفية المعروفة بهيجة حسين والعبد لله كاتب هذه السطور، طرح الجميع وجهات نظرهم فى كيفية العمل على تقدم الثقافة العامة فى مصر، وما الذى يعوق هذا التقدم، وقد أعجبنى قول الصحفية بهيجة حسين «عندما سافرت إلى الخارج بهرت من منظر الشوارع والعمارات والبيوت»، وتحدثت أيضا عن حق الإنسان المصرى فى الجمال، وفكرت «لعن الله التعود على منظر القمامة والقبح عامة». وتكلم سمير غريب عن مناحٍ فى الثقافة لم تخطر لى على بال، وأيضا معوقات غريبة بحكم موقعه فى كثير من المواقع الثقافية وعلى رأسها صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة، وقلت «لعن الله التعود على معوقات الثقافة التى تعودنا عليها وكأنها معتادة منذ أن خلق الله هذا البلد ومن فيه».
وتناولت أنا أحد معوقات الثقافة بل الاقتصاد والتنمية فى مصر، وهى زحمة الشوارع وعدم وجود أماكن لركن السيارات وفوجئت بنظرات الاستعجاب إذ ما علاقة الزحمة بموضوع التنمية الثقافية ومعوقاتها، وأرجعت هذه النظرات إلى التعود أن القاهرة زحمة بل مصر كلها زحمة «فلعن الله التعود على الزحمة».
ولأنى ملحن أغنية «زحمة يا دنيا زحمة» التى ألفها الشاعر الكبير حسن أبوعتمان وغناها ناى مصر الشجى أحمد عدوية، وأظن أنها كانت فى بداية الثمانينات ولم تكن الدنيا زحمة بهذه الدرجة، والواقع أن الزحمة أثرت على المسرح المصرى أكبر تأثير وبالذات المسرح الجاد لأن الإنسان يفكر ليس فقط مرتين بل مرات ومرات قبل البهدلة فى زحمة الشوارع والمحاربة للوصول فى الموعد، حتى وإن كان من راكبى السيارات الخاصة فالحرب مزدوجة للوصول ولركن السيارة، وهذا يدعو إلى تفضيل المكوث فى البيت والفرجة على التلفاز.
ومما لا شك فيه أن هذا التأثير ينسحب على الندوات العلمية والثقافية وكل أنواع الندوات التى لا تجد غير المتخصصين روادا لها، أما عامة الشعب فيفضل المكوث فى البيت.
ولا أظن أن مستثمرا يأتى للاستثمار فى مصر ويمكث فى السيارة ربع ساعة على الأقل فى كل إشارة إلا ويفكر فى مغادرة هذا البلد سريعا، إذ إن الوقت الضائع بالنسبة إليه مال مهدر.
وأظن بل أؤكد أن شرطة المرور فى القاهرة تستطيع أن تخفف من هذه المعاناة لصالح كل ما أوردناه، ودليلى على هذا أنه بعد إنتشار أغنية «زحمة يا دنيا زحمة» بأسبوعين أعلن الرئيس السادات الانضباط فى الشارع المصرى، وبدأ تحصيل غرامات المخالفات على المشاة قبل السيارات ونتيجة لذلك تقلص الزحام واختفت «الغرز» والتزم كل الناس، ولكن كما قال لى أحد سائقى التاكسى «الغربال الجديد له شدة وإحنا اتعودنا على الفوضى»، وللحال فكرت «لعن الله التعود».
وأظن أن وزراء الاستثمار والثقافة والبحث العلمى بل كل الوزارات يجب أن تهتم بقصة الزحمة وهى الأولوية الأولى وهى المعوق الأساسى لكل تقدم فى مصر، ولو أن إحدى فوائد هذه الزحمة أن المافيا العالمية أعلنت أنها لا تستطيع العمل فى مصر بسبب الزحمة لأن ماذا يفعل السارق إذا سرق بنكا ووضع ما سرقه فى سيارته غير الوقوع فى أيدى الشرطة، سواء فى أول إشارة أو فى الثانية على الأكثر.
ولأن الندوة كانت فى جو عائلى ومعظم الحاضرين من الصحافة، وأدار الندوة بحرفية شديدة عادل الضوى وكانت له آراؤه الصائبة فى توصية الحضور من الصحفيين بالكتابة ومتابعة ما أدلى به المشتركون فى الندوة لصالح بلدنا...
وتحيا مصر بلا تعود إلا على الجمال والموسيقى والشوارع التى تسمح بسير السيارات والعباد دونما توقف، حتى يتيسر على الجميع العمل من أجلها.