قد لا يجد المتابع روابط مباشرة بين الأحداث فى بروكسل وتقدم الجيش السورى لتحرير تدمر، وأيضًا قد لا يجد علاقة بين المفرمة التى نفذها الجيش المصرى فى سيناء يوم الجمعة الماضي ودحره لأكثر من ستين إرهابيًا وإصابة أربعين آخرين.
لكل واقعة من الثلاث أسباب مختلفة عن الأخرى ونتائج مختلفة أيضًا، وما بين السبب والنتيجة أحداث مغايرة على كل أرض، ولكن المدقق فى الخيط الرفيع الرابط سيلاحظ أن الأرضية التى مهدت لتهديد السلم والاعتداء على الأبرياء، هى أرضية تكفيرية بامتياز، هذا إذا ابتعدنا عن فكرة المؤامرة التى لا أستبعدها منذ كارثة صعود الإخوان لحكم مصر.
فى تدمر السورية الأثرية الباسلة والسامقة عاش من ١٠ إلى ١٣ ألف إرهابى، بدأوا تعايشهم فى تلك المدينة فى مايو ٢٠١٥، عندما سيطروا على العامرية وأعدموا ٢٣ مدنيًا، بينهم تسعة أطفال وأفراد عائلات موظفين حكوميين بقطع الرءوس فى الساحة، لم يشفع للعجائز أعمارهم المرهقة ولم يشفع للأطفال براءتهم، كلهم تحت مقصلة السياف عناوين للرعب من أجل تمكين تلك المخلفات الداعشية من الحكم، فى رفح المصرية والشيخ زويد كانت المحاولة تلو الأخرى من أبناء الظلام لفرض السيطرة وبسط النفوذ، حاولوا ذلك بضرب الكمائن أو جز رقبة برىء، سنوات وهم يحاولون وتفشل محاولاتهم، أما أحداث بروكسل التى جاءت بعد فرنسا فهى الخسة مجسدة فى مجانين تنكروا فى لحظة لكل ما أعطتهم بلجيكا من دعم ورعاية.
الوكالة الرسمية السورية للأنباء (سانا) وصفت معركة تحرير تدمر كما يليق فى وصف المنتصر، حيث تحركت وحدات الجيش فجرًا لتنفيذ عمليات مكثفة باتجاه البساتين الجنوبية لتحقق من خلالها تقدمًا كبيرًا باتجاه المدينة، والمهم فى تلك المعركة أن الجيش السورى لم يكن وحده من يقاتل فى الميدان - لاحظوا - حسب تقرير الوكالة التى ذكرت أن مجموعات الدفاع الشعبية خاضت اشتباكات عنيفة فى محيط مطار تدمر بالجهة الشرقية للمدينة تكبد خلالها تنظيم داعش خسائر كبيرة بالأفراد والعتاد.
فى ظل تقدم الجيشين السورى والمصرى لدك بؤر الإرهاب والتطرف، يمكننا القول إن أوروبا بل أمريكا صار هما الحلقات الأضعف فى مواجهة الإرهاب، ربما يرجع ذلك لعدم وجود المواجهات المباشرة على أراضيهم، وأن الخلايا الإرهابية تلعب معهما لعبة «لدغة البرغوث»، ولكن هذا أيضًا لا يعفى الغرب إطلاقًا من مسئوليته كحاضنة لبذور المتطرفين، لذلك يدفع الأبرياء هناك الثمن فادحًا، وسيتواصل ذلك المسلسل الردىء، ما لم يعترف الغرب بخطيئته الكبرى عندما وصف ثورتنا فى ٣٠ يونيو ضد المتأسلمين بأنها انقلاب عسكري.
أعرف أن مجال العتب والنقد للغرب الآن غير مُستحب، احترامًا لدماء الأبرياء هناك، الذين راحوا ضحية ازدواج المعايير لدى حكوماتهم، ولكن يهمنى أن أذكرهم بأن المواجهة الجادة لاجتثاث التطرف والإرهاب صارت ضرورة الآن أكثر من ذى قبل، وأن رمادية بعض الأنظمة الغربية لن تؤدى إلا لمزيد من القتل والتدمير، وأن خلط المفاهيم صار لعبة مكشوفة يستفيد منها الخصم من حيث لا تعلمون، وعلى سبيل المثال أدبيات الحقوقيين التى وصفت تعامل العسكرية المصرية مع الإرهابيين فى سيناء بأنه استخدام للقوة المفرطة يمكننا وصفها بأدبيات المسخرة.
المجتمع الدولى الذى يستشعر القلق والانزعاج - بان كى مون نموذجًا - هو مجتمع راع للإرهاب ومُشجع له، سيسقط الإرهاب بسواعد منتصرة، وسيبقى العار لمن روج ودعم ومول وبرر الاعتداء على الغير، ومع سقوطه سوف تسقط معه وإلى الأبد أفكار الوصاية الدولية والتدخل فى شئون الغير، وكل الحماقات الرديئة من مخلفات الحقبة الاستعمارية.
أهلًا تدمر المحررة، فخورون بمعركة رفح التى هرست المائة إرهابى بين قتيل وجريح، صادق عزائنا لأسر ضحايا بروكسل.