الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (12)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تُشكل فكرة العلانية والسرية ركنًا أساسيًا في تفكير الجماعات الدينية والتي تختلف فيما بينها إزاء ضرورات العمل ضمن إطار تنظيمي، فأغلب الجماعات الدينية العامة على الساحة لها باع في العمل السري، كل منها بمقدار، وعلى قدر جنوح هذه التنظيمات إلى العمل السري على قدر إيمانها بالعنف حتى ولو كان ذلك على المستوى النظري تمهيدًا للممارسة العملية.
بعض التنظيمات الدينية التي تمارس العمل السري، ترى أن الدعوات لا تقوم إلا على أكتاف الرجال، ودائمًا ما يكون هؤلاء قلة "وقليل من عبادي الشكور"، وفلسفة هؤلاء الدعاء بـــ"اللهم اجعلني من عبادك القليل"، هؤلاء يعتقدون أن الجمع حسب فهمهم للآيات الكريمات عيب لا ميزة مصداقًا لقوله تعالى في مواضع مختلفة: "ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، "ولكن أكثر الناس لا يؤمنون"، "ولكن أكثر الناس لا يشكرون"، وبالتالي لا تشغلهم الدعوة العلنية أو جمع الأنصار في شيء، بقدر هدف يحققونه ولو بقليل من الأتباع.
هناك جماعات دينية حسمت أمرها منذ النشأة الأولى، وفضلت العمل تحت الأرض مهما كلفها ذلك؛ هذه التنظيمات قامت على الدم والنار فاختارت لنفسها مأوى، لا أمل في إصلاحها، وهناك جماعات رفعت شعار العمل الدعوي العلني ولكنها تميل بحكم إدراكها لهذا النوع من العمل المختلط معتقدة أنها قائمة على إصلاح الدنيا بالدين، وأن هذه المهمة ربانية مختارة رزقها الله إياها، مثل هذا النوع من التنظيمات لا أمل ولا مستقبل له حتى ولو عاش عقودًا طويلة، فما أكثر الممالك والإمبراطوريات التي سقطت بعد عشرات السنين من إقامتها وفي حالات استمرت قرون ولكنها سقطت سقوطًا لا قيام بعده.
بالبحث في الخلفيات النفسية للتنظيمات الدينية يتضح لنا أن إيمان بعض التنظيمات بالعنف مرتبط بالبنية الفكرية والتنظيمية، وهذا النوع من التنظيمات غلّب العنف كأداة فاعلة لتحقيق مطالبه، وهناك تنظيمات أخرى حائرة بين العلانية والسرية، فتارة تنحوا في اتجاه العلانية إرضاء لقواعدها لا إيمانًا بضرورة العمل العلني، وتارة تجنح للعمل السري اعتقادًا بفائدة للدعوة التي تحملها على كتفها.
وهناك نوع أخطر في التنظيمات الدينية الذي يُسوق لنفسه أنه يؤمن بسلمية الأفكار ويأخذ الوسطية منهجًا له، وهذا النوع من التنظيمات قد يأخذ السرية كأساس لبعض تحركاته معتبرًا نفسه فيما تُطلق عليه هذه التنظيمات في أدبياتها استشهادًا بما جاء في السيرة النبوية مرحلة "دار الأرقم بن أبي الأرقم"، وهو ما يتطلب منها الاختفاء والعمل من خلف ستار خشية الكشف عنهم.
الاختفاء والعمل تحت الأرض غالبًا ما يؤدي لحالة من العفن، بعدما غاب عن الأفكار النقد المباشر تحت مبررات السرية وثقافة المحنة التي تفرضها على التنظيم.. مع الوقت تصبح كل الأفكار غير سوية ومع الوقت يتوارى قادة التنظيم أكثر في السرية حتى لا تظهر الأفكار الجديدة على السطح.
وهناك أزمة تفرضها بعض التنظيمات الدينية على أعضائها لتبرير العمل السري، وهي أن الظروف الأمنية والاجتماعية غير مواتية، وأن كلًا منهما يترصد بالدعوة، وهو ما يفرض الاختفاء للعمل خشية إفساد مسار الدعوة، ونفس هذه الطريقة تستخدمها هذه التنظيمات من أجل إسكات أي صوت معارض بداخلها ينتقد الفكرة أو طريق عمل القيادة أو حتى المناهج التي تُفرخ النشء.
من أهم الجماعات التي يمكن الاستشهاد بها في هذا المضمار جماعة الإخوان المسلمين التي قضت نصف حياتها ملازمة للسرية، والنصف الآخر تُراهن على العلانية، فعلى مستوى التنظيم وبينما تأخذ الجماعة خط العمل العلني من خلال قيادات معروفة تمارس عملها، تقوم قيادات أخرى بدور غامض وغير علني، وغالبًا ما تكون هذه القيادات هي النافذة على المستوى التنظيمي وبيدها القرار وكثيرًا ما يؤخذ القرار في مطبخها، وهناك تكون الجماعة قد حققت هدفها بين ممارسة العمل العلني لإظهار صورة إرادتها للرأي العام وقواعدها وحققت ما تراه من خلالها صحيحًا في ضرورة أن تسير الدعوة في خطوات ثابتة بعيدًا عن العلانية، وفي نفس الوقت قطعت باعًا في العمل السري، والذي تستطيع من خلاله تحقيق خياراتها الاستراتيجية نحو الوصول لأهدافها.
التاريخ يؤكد أن كل التنظيمات الدينية التي أخذت مسار العمل السري طريقًا لها حتى ولو أخفت ذلك قليلًا بكياسة ودهاء، حتمًا تُصاب أفكارها بالعفن وتموت مع الوقت حتى ولو حاولت إثبات خلاف ذلك، وجودها لا يعني أنها ما زالت على قيد الحياة أو أنها قادرة عليها فحياتها بلا روح.. وللحديث بقية.