الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (11)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعتبر نشأة الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين أو النظام الخاص كما تُحب الجماعة أن تُسميه في أدبياتها نقطة محورية في عمر التنظيم الذي وصل إلى المائة عام إلا قليلًا، فشاخت أفكاره ومبادئه ولم يعد قادرًا على مجرد التجديد أو حتى مراجعة هذه الأفكار، فأصيب أتباعه بالتكلس الفكري وانسدت شرايينه التي تحمل الدماء إلى أعضاء الجسد، فما تعيشه الجماعة الآن حياة ولكنها تُشبه شهقة النفس الأخير، قد تأخذ وقتًا ولكنها دلالة على النهاية الفكرية والعضوية والتنظيمية، فهناك من التنظيمات الدينية ما تأخذ عقودًا طويلة حتى إذا ما شاخت الأفكار نفث ملك الموت في روح التنظيم وبدأ يتململ، ومن علامات تململه ظُنه أنه مازال يمتلك الجماهير الجرارة خلفه، مدافعًا على نواقصه.
وهنا يمكن أن نقول إن قدرة الدولة بمؤسساتها على أن تكون بديلًا أو أصلًا لما كان يقدمه التنظيم هو ما يُعجل بالنهاية، سواء في المجال الدعوي من خلال دعم مؤسسة الأزهر الشريف التي تمثل وسطية الإسلام ومنارة الدعوة في العالم العربي والإسلامي، أو في المجال الخيري، فأغلب التنظيمات قدمت نفسها للمجتمع على أخطاء وخطايا الحكومات المتعاقبة التي أغفلت الفقراء، فقدموا هم أنفسهم للأرامل والمطلقات واليتامى وذوي الحاجة وما أكثرهم، عندما تقترب الدولة من هذه المساحة تختفي التنظيمات التي لا تجد غير هذين الشكلين حتى تكتسب ود المجتمع.
مسار التنمية ضمانه حقيقية ليس لمواجهة الإرهاب فقط وإنما للقضاء عليه تمامًا، مع أشكال أخرى في المواجهة لا يمكن إغفالها، فهم طبيعة عمل التنظيمات الدينية واستراتيجيتها وأهدافها يُساعد كثيرًا في مواجهتها، ولذلك ضرورة العمل على نقاط الارتكاز لهذه التنظيمات وفي مقدمتها كما ذكرنا، الدعوة والعمل الخيري، وإيجاد بدائل أو أصل للدولة فيهما.
الوقوف بين هذه التنظيمات وبين الوصول لمنابر الدعوة ليس حلًا ناجعًا وليس مفيدًا على الإطلاق، ولكن مواجهة خطابها أكثر فائدة وأشد أثرًا، كما أن دعم المجتمع المدني قد يكون بديلًا واقعيًا لتصدر بعض التنظيمات الدينية للعمل الخيري، والأفضل للدولة أن ترعى مواطنيها، فيغيب مع ذلك أي أثر، ويُصبح أي مجهود لهذه التنظيمات كالحرث في البحر، ومعه لا يتعدى عدد المنتمين لهذه التنظيمات أعداد أفقر حزب سياسي في مصر، وقد يمكن مقارنته بأعداد المنتمين لهذه التنظيمات في أمريكا مثلًا.
عمدت جماعة الإخوان المسلمين إلى إنشاء النظام الخاص أو الجناح العسكري للجماعة بعد عشر سنوات من تأسيس التنظيم أو إلقاء البذرة الأولى في نهاية العشرينات من القرن الماضي، عندما استشعر مؤسسها أن الجماعة وصلت لقطاعات عريضة من المصريين بواسطة العمل الدعوي والخيري معًا.
وقامت الجماعة بحل النظام الخاص عندما وصل اعتداؤه على أعضاء الجماعة فقتل سيد فايز، الموكل إليه قيادة النظام الخاص من قبل مرشدها في ذلك الوقت، كما أجبر حسن الهضيبي مرشد الإخوان على تقديم الاستقالة بعد أن احتل النظام الخاص المركز العام للإخوان، فضلًا عن الاغتيالات التي طالت شخصيات عامة وقيادات تنفيذية وقضائية في الدولة مثل، محمود فهمي النقراشي، رئيس وزراء مصر ووزير الداخلية، والقاضي أحمد الخازندار، وغيرهم وتفجير محكمة استئناف القاهرة، فقتل العشرات من المواطنين الذين صادف وجودهم أمام المحكمة لحظة التفجير.
ولعل قرار حل التنظيم الخاص ارتبط بفكرة المصلحة التنظيمية، فاعتداءات الجناح العسكري للجماعة طال قادتها وأصبحت الألسنة تلوك التنظيم هنا وهناك، وهو ما خشيت معه القيادة في ذلك الوقت على بقائها وربما أرادوا أن يؤخروا لحظة الانهيار.
صدر قرار حل لتشكيلات النظام الخاص للجماعة، ولكننا وجدنا القيادة قامت بإضافة مناهج التربية وسلوكها الذي كان يُدرس لأفراد النظام الخاص على بقية أفراد الصف الإخواني، وفي مقدمة ذلك رسالة التعاليم التي كانت تُدرس لأعضاء النظام الخاص ووضع لها البنا عنوانًا،: "إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين"، فأصبح التنظيم بأكمله شبه عسكري، ولعل ذلك حافظ على بقائه طيلة هذه الفترة.
وبالتالي قامت بإعلاء قيمة السمع والطاعة لحد المبالغة والتقديس، والضرب بيد من حديد على كل من يعترض أو يحاول مناقشة أفكار التنظيم واعتبار ذلك خروجًا يستوجب الخروج، فالجماعة قد تقبل أن يكون من بين أعضائها المتجاوزون أخلاقيًا لكنها لا تقبل أن يكون من بينهم المتجاوزون فكريًا، ولعل ذلك يُفسر سر اختفاء المفكرين والمبدعين داخل هذه التنظيمات.. وللحديث بقية.