الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (10)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أغلب تقديرات المراقبين أن نشأت النظام الخاص للإخوان المسلمين كانت في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي حينما أرسى المؤسس الأول، حسن البنا النظام الأساسي للتنظيم من خلال مؤتمر الجماعة الخامس عام 1939، ولعل إشاراته لاستخدام القوة كانت بعد أن وضع حجر النظام الخاص أو الجناح العسكري في الجماعة، وبذلك تتراوح الأقوال أن النشأة كانت ما بين عام 1938 وعام 1940، فيفصل بين النشأة الأولى للتنظيم ونشأة الجناح العسكري، والتي تُعد النشأة الثانية قرابة عشر سنوات ويزيد، وهذا الفرق له مغزى نتحدث عنه لاحقًا.
قالت جماعة الإخوان المسلمين في أدبياتها: إن الغرض الأساسي للنظام الخاص كان متمثلًا في مقاومة الإنجليز المحتلين لمصر في ذلك الوقت ومحاربة اليهود في الجوار على أرض فلسطين!، وإذا كان الغرض من الجناح العسكري نبيلًا كما أرخ الإخوان لذلك، السؤال الذي يطرح نفسه هل هذه هي الطريقة الوحيدة للمواجهة؟، أم أن معسكرات التدريب يمكن اعتبارها بديلًا دون الحاجة لنشأت جناح عسكري وجه أسلحته فيما بعد إلى صدر الأبرياء من الخصوم، بل تعدى ذلك إلى صدور الإخوان أنفسهم عندما قُتل سيد فايز، الموكل إليه قيادة النظام الخاص من قبل حسن الهضيبي مرشد الجماعة بعد مقتل حسن البنا.
إذا كان غرض الجماعة مقاومة الإنجليز لماذا استثنت الشعب المصري من هذا الشرف، خاصة وأن الشعب كان يمتلئ بالفدائيين الذين أبلوا بلاءً حسنًا في المواجهة مع الإنجليز، فمبرر النشأة والعمل بشكل منفرد يؤكد أن النية لم تكن خالصة للهدف الذي تزاحمت الجماعة ورائه، خاصة أن هذا النظام شهد اغتيالات بداخله وهو ما لم يحدث في صفوف الفدائيين تحت أي سبب، كما لم يعتد الفدائيين على أنفسهم كما حدث واعتدى النظام الخاص على مرشد الإخوان وقتها حسن الهضيبي واحتل مقر الجماعة وأجبره على الاستقالة، وهو ما يدلل على أن معركة النظام لم تكن ضد الإنجليز فقط.
الجماعة كانت تفرض على أعضائها حياة عسكرية داخل التنظيم كمحاولة لتهيئة الصف والأفراد، فاللوائح الداخلية ومناهج التربية التي تسوغ عقل الإخوان لم تكن منفصلة عن هذه الحياة، منها على سبيل المثال نظام الجوالة والتدريبات البدينة التي كانوا يتلقونها، فضلًا عن الكتائب التي مازال الإخوان يتمسكون بها حتى هذه اللحظة كوسيلة من وسائل التربية بغض النظر عن وقف بعض البرامج بداخلها وتفعيل أخرى.
رجحت جماعة الإخوان المسلمين مقتل سيد فايز على يد الجناح العسكري للجماعة، بعد أن أفضى لمرشد الجماعة حسن الهضيبي بمعلومات عن طبيعة النظام وتسليحه وأقسامه وقياداته وهو ما يُعد خيانة تبيح قتلة شرعًا؛ وهو ما أضطر معه محمود الصباغ والشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق لزيارة عبد الرحمن السندي، مسئول النظام الخاص، في بيته بفترة ليست طويلة لمعرفة عما إذا كان له علاقة بالحادث أم لا، فلم ينف التهمة وخرج الثلاثة وهم على يقين أنه وراء الحادث كما جاء في رواية القيادي الإخوان، صلاح شادي، في كتابة، صفحات من التاريخ.. حصاد العمر.
المثير للدهشة أن الجماعة لم تُجر تحقيقًا في الحادث، كما أنها لم توجه أي اتهام لأحد بارتكاب جريمة القتل وتفجير منزله، وترك الأمر لظن بعض الإخوان أن عبد الرحمن السندي هو من قتل سيد فايز أو على الأقل له علاقة بمن دبروا الحادث، وتبدو رواية الجماعة على لسان صلاح شادي، هي الأقرب إلى الحقيقة بعد أن قُيضت القضية ضد مجهول.
وفي هذه الأثناء قام مرشد الجماعة بتكليف يوسف طلعت برئاسة النظام بعدما قام بفصل عبد الرحمن السندي من قيادة النظام الخاص؛ ويبدو أن الجماعة ومرشدها أرادت عدم إثارة الغبار عليها بعد مقتل سيد فايز، المكلف من قبل المرشد بالقيام بشؤون النظام الخاص، فتوجيه أي اتهام للسندي بارتكاب الحادث يُعني بشكل أو بآخر وضع التنظيم في دائرة الاتهام الأبدية وأن الجماعة تقتل أبنائها والتنظيم يأكل بعضه بعضًا، وهو ما قد يخيف الناس من الانضمام إليها أو العمل تحت لوائها.
من أهم القواعد الثابتة عن برنامج النظام الخاص المبالغة في السمع والطاعة في المنشط والمكره وكتمان السر؛ ولعل هذه المبالغة هي السر وراء إقدام بعض أفراد النظام الخاص أو الجناح العسكري للجماعة على القتل لمجرد صدور الأوامر إليهم وتعدى الأمر إلى محاصرة دار الإخوان وإرغام المرشد، حسن الهضيبي، على تقديم استقالته.
تشابه الإخوان مع غيرهم من التنظيمات المسلحة كان ومازال كبيرًا، فهناك من نجح في ضبط الإيقاع فيما يتعلق بفكرة العنف وآلية استخدامه وهناك من أمعن في استخدامه بشكل مفرط، ولكن الجميع استخدمه، وهنا تبقى الجماعة رائدة لغيرها في استخدامها للعنف، ولعل هذا ما يُقرب صورة التشابه بين جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من تنظيمات العنف وفي مقدمتها ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش".. وللحديث بقية.