لماذا دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى الكُتَّاب والمثقفين إلى لقائه فى قصر الاتحادية؟
لماذا حرص على الاستماع إليهم؟
هو فعليًا لم يتحدث أكثر من دقيقتين، رحب فيهما بالحاضرين، ثم دعاهم إلى الكلام لأنه يريد أن يستمع منهم، ويبدو أن شهية بعضهم كانت مفتوحة للكلام بشكل كبير، ما حرم بعضهم من الحديث، فضلوا أن يكتبوا فى مقالاتهم ما أرادوا أن يقولوه للرئيس، فعلها الكاتب الكبير محمد المخزنجى، الذى جهز كلمة قصيرة، فيها اقتراحات محددة، لكنه لم يتمكن من عرضها.
أغلب الظن أن من ذهبوا إلى لقاء الرئيس كانت لديهم هم أيضًا الرغبة فى أن يتحدثوا، فلديهم رؤى وأفكار يعتقدون أنها صالحة للاستخدام السياسي، فلا أحد منهم، رغم حدة بعضهم فى انتقاد الأداء العام، لديه رغبة لهدم النظام، أو الثورة عليه، فحتى من يعترضون، يمكن اعتبارهم يقفون على يسار النظام، يريدون تقويم ما يرونه خاطئًا، ولأنهم لا يملكون إلا الكلام، فقد ذهبوا إلى الحديث مع الرئيس، ولأن الرئيس يعرف حسن نوايا الجميع، ولا يشك فى أهداف أحد أو نواياه، فقد استمع إليهم بأريحية شديدة.
هل كانت هذه الدعوة بداية لما أصر البعض على تسميته بالحوار الوطنى؟
عبدالله السناوى الأستاذ والصديق يرى أن هذا الحوار حلقة فى سلسلة حوار وطنى يقوم به الرئيس، وأعتقد أنه يقع فى مغالطة كبيرة، فالرئيس - طبقا لمصادر رئاسية - منذ تولى المسئولية، وهو يدعو فئات مختلفة للحوار، يتحدث إليهم ويسمع منهم، ولم يخرج لقاء المثقفين عن سياق هذه اللقاءات، وعليه فلم يكن هناك داعٍ لتسمية ما جرى بأنه حوار وطنى، لسبب بسيط أن الحوار الوطنى معناه أن النظام فى أزمة، يريد أن يخرج منها، فيدعو الفرقاء ليكونوا شركاء له فى الخروج من أزمته، وهو ما يراه النظام، فهو يدرك أن هناك أزمة تعانى منها مصر كلها، ولا بد أن يشترك الجميع فى التفكير من أجل حلها، وعليه فالبحث هنا عن حل أزمة البلد وليس عن حل أزمة النظام.
هل نجح لقاء الرئيس مع المثقفين؟
أغلب الظن أنه نجح بدرجة كبيرة، وكان معظم الموجودين على درجة كبيرة من المسئولية، حتى لو حدثت بعض الأخطاء، من قبيل أن البعض أسرف فى الحديث مما حرم آخرين من الكلام، ومن انتقاد بعضهم البعض بعد أن خرجوا من لقاء الرئيس، وهو الانتقاد الذى ظهر فى مقالات صحفية ولقاءات تليفزيونية، ورغم أن الاختلاف قيمة كبيرة نقدرها ونضعها فى المكان والمكانة التى يستحقها، إلا أنه يعبر عن خلل كبير فى المجموعة التى قابلت الرئيس.
لم يكن هذا - هجوم من حضروا على بعضهم البعض - هو الخلل الوحيد، فقد كان هناك خلل واضح، حيث نقل البعض عن الرئيس عبدالفتاح السيسى ما لم يقله، فعل هذا تحديدًا الأستاذ عبدالله السناوى، الذى نسب إليه ما قاله السيسى من أن مبارك جاب البلد على الأرض، وهو التصريح الذى جر على الرئيس هجومًا كبيرًا ممن يطلقون على أنفسهم أبناء مبارك، وطبقًا لما قاله مسئول رئاسى، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يأتِ على سيرة الرئيس الأسبق مبارك لا بالخير ولا بالشر، وكل ما قاله إن مؤسسات البلد تعانى ومؤسساتها تعبانة، وقال هذا فى سياق إشارة واضحة إلى الضغوط الداخلية والخارجية التى تعانى منها مصر، وهى ضغوط لا يمكن أن تخطئها عين.
إننى أقدر دوافع الكاتب الكبير عبدالله السناوى فى كل ما يكتبه، لكننى لا أستطيع إخفاء انزعاجى من كتابته الدائمة على صفحة سوداء، يصنع من خلالها قلقًا مبالغًا فيه يحيط به النظام، الذى لا ينكر أبدًا أن هناك أزمات كثيرة، وقد عاب البعض على عبدالله أنه يتحدث وكأنه متحدث رسمى باسم الرئيس، وهو ما جعل البعض يتهمه بأنه يبحث عن دور ما، رغم يقينى بأن عبدالله يرضى جدًا بدوره ككاتب يسعى لأن تكون كلمته مؤثرة، لكن يبدو أن حالة الارتباك العامة التى نعانى منها جميعًا، جعلته يبدو مرتبكًا فى كثير من الأحيان.
لا تزال هناك بعض وجوه الخلل فيما جرى، لقد كان الوفد الممثل للكتاب والمثقفين الذى جلس أمام الرئيس محبطًا لدوائر كثيرة، فهم ينتمون إلى شريحة عمرية تتجاوز حدود الفعل إلا فيما ندر منهم، لم يكن من بينهم شباب يحملون حيوية الواقع، ويعكسون تنويعات أجيال جديدة غاضبة ومتوترة ومرتبكة، ولو ظهر بعض الكتاب الشباب بين قائمة المدعوين، لرأينا أمامنا مصر الحقيقية بكل أجيالها، وهو أمر كان يجب أن يحرص عليه القائمون على الحوار أكثر منا.
تسجيلى لهذا الوجه من وجوه الخلل، لا يمنعنى من تسجيل رؤية من نظموا اللقاء وتولوا الدعوة له، فقد حرصوا على أن يأتوا بمن لديهم وجهات نظر مختلفة، تحديدًا حرصوا على تمثيل التنوع فى توجهات المشاركين فى الحوار، والميل لمن لهم تحفظات على الأداء العام، للتدليل على أن الرئاسة والرئيس جادان تماما فى تبادل الرؤى، فقد أرادت الرئاسة أن يكون هناك حوار حقيقى، لا يتحدث فيه الرئيس من طرف واحد، لا يرد عليه ولا يناقشه أحد، وهو ما حدث بالفعل، فقد استمع الرئيس بأكثر مما تحدث
كشف الحوار عن خلل آخر وهو غياب المبادرة، قبل لقاء الرئيس بالكتاب والمثقفين، كانت قضية معتقل التيشيرت التى أثارها الكاتب والروائى إبراهيم عبدالمجيد معروفة للجميع، وكانت مطالبة طارق عبدالجابر وآخرين ممن خرجوا فى ركاب الإخوان بالعودة إلى مصر مرة أخرى معلنة، وخضعت لمناقشات مكثفة فى الإعلام بين رفض وقبول، وكان يمكن لمؤسسة الرئاسة أن تلتقط الخيط، وتبادر هى إلى حسم موقفها من هذه القضايا الجدلية، لكن يبدو أن هناك مشكلة فى المبادرة، وأغلب الظن أنها مشكلة عائدة إلى ترتيب الأولويات، أو ربما لخلل فى توفر المعلومات.
كان رائعًا أن يتدخل الرئيس ليفرج عن معتقل التيشيرت أو يقرر عودة طارق عبدالجابر ورفاقه، لكن الأمر بدا وكأنها استجابة فورية لضيوف الرئيس، وهو ما يجعلنى أطرح سؤالًا مهمًا: لنفرض أن لقاء الرئيس بالمثقفين لم يتم، أو لنفرض أن الموجودين لم يتطرقوا فى حديثهم إلى هذه القضايا، هل معنى ذلك أن معتقل التيشيرت كان يمكن ألا يكون حرا طليقا الآن، وكان يمكن لطارق عبدالجابر أن يواصل اعتصار الألم وهو بعيد عن وطنه بصرف النظر عن موقفنا منه أو مما فعله؟ هذا التصور مزعج فى حقيقة الأمر.
تحتاج مؤسسة الرئاسة إلى المبادرة، فالمفروض أنها تمتلك المعلومات الكاملة عن كل ما يحدث وكل ما يدور فى مصر، أو هكذا يجب، وهى أيضًا تمتلك القرار الذى يمكن أن يغير الصورة التى يحاول الكثيرون تشويهها عمدا أو دون قصد لنقص المعلومات لديهم، وهو ما نحرص عليه ونعمل من أجله، فجميعنا شئنا أم أبينا فى مركب واحد، وأعتقد أنه لن يكون فى مصلحتنا أبدًا أن يغرق.
لقد تحدث الرئيس إلى المثقفين عن تفهمه التام لمطالبهم المتعددة عن الحريات، ولكنه ولأنه رئيس دولة تحكمها قوانين، فقد تحدث عن صدور قوانين تنظم الأمر، وهنا لا تأتى مهمة الرئيس وحده، بل تأتى مهمة مؤسسات الدولة والمجتمع كله، الذى لا بد أن يتوافق على أنه لا بديل عن مجتمع حر يعيش ويتعايش فى سلام وبسلام، ولذلك كان مهمًا أن يقول الرئيس - فيما أعتقد - عن أن الدولة والمجتمع يجب أن يقتحما مشكلة التوافق بين تحقيق الأمن الذى نسعى إليه جميعًا، والحفاظ على حقوق الإنسان وهو الحق الذى لا بديل عنه أو له.
لقد اتهم كثيرون حوار الرئيس مع المثقفين بأنه كان بلا أجندة واضحة، البعض امتدح ذلك بالمناسبة، تأسيسًا على أن حوارًا حرًا ومفتوحًا لا بد فيه من طرح كل الرؤى والأفكار والاقتراحات والانتقادات والاعتراضات أيضًًا، لكنى فوجئت بالصديق الكاتب يسرى الفخرانى يقول، وكنا فى برنامج تليفزيونى سويا، إنه كانت هناك أجندة واضحة للحوار، فقد ذهبوا للحديث عن استراتيجية لبناء المواطن المصرى، لكن هذا الهدف ضاع تحت وطأة رغبة البعض فى الحديث عن قضايا أخرى.
اختلفت مع يسرى، فحتى لو اتفقنا على أن أجندة الحوار كانت مركزة على هذا الهدف، فإن كل القضايا التى طرحت على طاولة النقاش من حديث عن الحريات وحقوق الإنسان وصورة مصر لا تبتعد أبدًا عن الرغبة فى بناء الإنسان، فلا أحد يتصور حديثًا عن التنمية فى وطن بدون الحديث عن الأمن واحترام حقوق الإنسان وصون كرامته، ولا أحد يمكنه أن يتحدث عن مستقبل آمن، إلا إذا كان الحاضر مستقرًا تمامًا، واستقرار الحاضر يأتى من شعور الجميع بأنهم شركاء وليسوا تابعين.
أعرف أن بعض من حضروا اللقاء وجلسوا أمام الرئيس وتحاوروا معه حاولوا تسخير اللقاء لتوجهاتهم وأجنداتهم الخاصة، حاولوا أن يظهروا أمام الرأى العام وكأنهم خرجوا فائزين ومنتصرين من الحوار، رغم أنهم لم يكونوا فى معركة حربية، بل كانوا فى لقاء لتبادل الرؤى، وفى إطار طبيعى تمامًا، فالرئيس يتحدث إلى الجميع، ويحرص على أن يسمع من الجميع، ولسنا فى حاجة على الإطلاق لتصوير الأمر على أنه حوار على هامش أزمة، ولسنا فى حاجة لمن يجعلون من أنفسهم أوصياء على الرئيس، لا بالسلب ولا بالإيجاب، هو يريد أن يجعل من نفسه مِلْكًا للجميع، فلا داعى لأن يفكر البعض فى احتكاره لهم وحدهم.