فى الآونة الأخيرة، وتحديدًا عقب ٣٠ يونيو ٢٠١٣ كثر الحديث عن الحقبة الملكية فى تاريخ مصر، ولاحظت أن ثمة محاولة لتمجيد هذه الفترة، ونسج بعض الأساطير حولها، بهدف جعلها فترة عظيمة ازدهر فيها الاقتصاد المصرى لدرجة أننا أقرضنا بريطانيا العظمى، وتقدمت فيها البلاد فى جميع الميادين، حتى أتت ثورة ٢٣ يوليو التى قام بها الجيش المصرى، لتقضى على هذه الدولة تمامًا، وتحولها إلى دولة تنتمى إلى العالم الثالث، هكذا يقولون والعجيب أن بعض الإعلاميين والمثقفين انساقوا وراء هذه الأكاذيب وراحوا يرددونها دون أدنى تفكير أو دون بحث أو فحص تاريخى، فقد اكتفوا بنقل ما قيل، وفعلوا نفس ما تفعله العامة من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى بنشر الفيديو المنتشر حاليا لشوارع مصر فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى حيث النظافة والرقى، وتباكى هؤلاء على المرحلة الملكية، وراحوا يصبون جام غضبهم على عبدالناصر ورفاقه، والهدف الحقيقى يا سادة ليس عبدالناصر أو رفاقه، ولكنه الجيش المصرى، فالثأر هنا مع الجيش المصرى الذى قام بالثورة فى ٥٢، وعبر قناة السويس ٧٣، وحمى الشعب المصرى منذ نزل إلى الشوارع فى ٢٨ يناير ٢٠١١ حيث نزل على إرادة الناس، وتباحث مع الرئيس مبارك فى أمر رحيله، فآثر الرجل أن يبتعد فى سلام ورفض مغادرة مصر، ووافق على المثول أمام المحكمة، وبالمناسبة فإن هناك حوارًا منشورًا للرئيس مبارك مع الصحفى الكبير مكرم محمد أحمد، وذلك فى ٢٠٠٢ حيث سأله لماذا لا تعين نائبًا؟ فرد بالحرف الواحد «فيه دستور بيحكمنا ولو حصل أى حاجة فى البلد أو حسيت بخطر هاسلم البلد فورًا للمؤسسة اللى أنا جيت منها واللى أنا بثق فيها»، وقد كرر هذه الجملة فى أكثر من لقاء، وعندما بدأت أزمة ٢٠١١ كانت مقولته التى رددها الراحل عمر سليمان فى اجتماعه مع بعض الشباب المتظاهر، والتى نشرت فى الصحف بعنوان إما التفاوض أو الانقلاب، فلما قيل له ما معنى الانقلاب قال إن الرئيس مبارك يريد تسليم السلطة إلى القوات المسلحة.. ولكى لا نسترسل كثيرًا فيما حدث عقب يناير ٢٠١١ والذى انتهى بإدارة الجيش للبلاد ثم تسليمها لرئيس منتخب فلما ثار عليه الشعب ورفض استمراره فى الحكم وهو وجماعته، وقف الجيش المصرى فى صف الشعب، وهذه هى عقيدة هذا الجيش العظيم الذى يقف دومًا مع إرادة الشعب، فهو جيش الشعب وليس جيش الرؤساء أو الملوك، ولا شك أن جماعة الإخوان تكن بداخلها كراهية للجيش المصرى منذ ٥٢ وحتى الآن، فالثابت تاريخيًا أنهم دعموا عبدالناصر، ووقفوا إلى جوار الثورة وكتبوا عنها أشعارًا وقصائد حتى هبت رياح الاختلاف فى ٥٤، عندئذ فقط تحولت الثورة إلى انقلاب وتحول عبدالناصر إلى قاتل وقيل عنه إن أمه يهودية، وكتب أحدهم كتابًا يدعى فيه أن ثورة يوليو كانت صناعة أمريكية، وراحوا يتباكون فجأة على النظام الملكى، وهم الآن الذين يكررون ذلك، وللأسف فإن البعض كما قلنا ينساق وراءهم، ولأن الناس بلا ذاكرة، فدعونا نبين لهم أن مصر كانت واقعة تحت يد الاحتلال الإنجليزى من ١٨٨٢ وحتى ١٩٥٦ حين غادر آخر جندى بريطانى مصر عقب اتفاقية الجلاء التى وقعها جمال عبدالناصر فى ٥٤، وهذا يعنى بادئ ذى بدء أننا نتحدث عن عهد احتلال، وهذا العهد سادت فيه الفوضى وعمليات الاغتيال والصراع على الحكم بين الأحزاب، وكان فقراء مصر لا يجدون حذاء يرتدونه فى أرجلهم، لدرجة أن مظاهرة فى عهد فاروق سميت بمظاهرة الحفاة، وكان ٥٪ فقط من المصريين هم طبقة الباشوات والأغنياء بينما ٩٥٪ محرومون من كل شىء، وعانى الشعب من انتشار الجهل والظلم والفساد، وبيان الثورة خير دليل على ذلك، فلنتذكر صوت السادات وهو يردد «بنو وطنى، اجتازت مصر فى الآونة الأخيرة مرحلة عصيبة من الفساد والرشوة وعدم استقرار الحكم» وأدى ذلك إلى الهزيمة فى ٤٨ وكان البوليس السياسى يقوم بواجبه تجاه الطلاب الوطنيين، وقتل آلاف الشباب الذين هتفوا للاستقلال، أما أكذوبة إقراض بريطانيا فحقيقتها أنه فى عام ١٩١٧ وأثناء الحرب العالمية الأولى قررت بريطانيا الاستيلاء على أموال الخراج الذى كانت تدفعه مصر للباب العالى فى تركيا منذ الاحتلال العثمانى فى ١٥١٦ وهل لعاقل أن يصدق هذه الخرافة ومصر قد استدانت فى عهد إسماعيل؟ إنها محاولة لتمجيد الملكية لا أكثر ولا أقل.
آراء حرة
الجيش المصري وتمجيد الملكية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق