الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (8)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مشاهد العنف داخل تنظيم الإخوان المسلمين تبدو جلية للمدقق عن رؤية عميقة ليس لطبيعة الجماعة، وإنما لطبيعة الأفكار التي خلّفها التنظيم حتى بعد مرور أكثر من 88 عامًا على النشأة الأولى ومرورًا بأجيال متعاقبة لم تتعامل مع الفكرة وإنما قدست وضعيتها وركزت في تعاملها على التنظيم وعلى قدر نجاحها في الحفاظ عليه فشلت في تحقيق إضافة حقيقية لأفكار المؤسس، فتحولت الجماعة لمجموعة من الأتباع والجنود ليس بينهم مبدع أو أديب أو مفكر.
الجوالة أحد صور العنف المبكر داخل التنظيم؛ فبداية إنشائها كانت تخرج في طوابير استعراضية ضخمة كان يتراوح أعداد المشتركين فيها، كما يروي أحمد عادل كمال في كتابة النقط فوق الحروف.. الإخوان المسلمون والنظام الخاص، ما بين الستة آلاف والعشرة آلاف جوال، يستطرد صاحب النقط قائلًا،: كنا ننتهز الفرص لإجراء هذه الاستعراضات في الشوارع، لم تكن تلك المناسبات مقصودة لذاتها دائمًا، وإنما كانت ذريعة، وكان بيت القصيد إظهار قوة الجماعة ومظهرها العسكري ولفت النظر إلى أن الجوالة بالذات هي القوة العسكرية للجماعة، وفي هذا صرف للنظر عن التشكيل الجدي الذي أعد سرًا وفي كتمان تام بعيدًا عن مظهريات الجماعة وهو النظام الخاص.
لا يمكن المزايدة على، أحمد عادل كمال وهو أحد أهم أعمدة النظام الخاص للإخوان، ومازال حيًا يُرزق للسؤال، والذي يوضح لنا شكلين من أشكال التربية والتكوين داخل جماعة الإخوان المسلمين، أحدهما في الجوالة والتي مازال التنظيم يحتفظ بتشكيلها حتى الآن، ويرى في ذات الوقت أن استعراضها كان مهمًا في إثراء قوة الجماعة لخصومها، فهي كانت يد طولي للجماعة بإعداد رجالها وحركاتهم القوية والعنيفة التي كانوا يتدربون عليها، وأن الهدف كان في وقت من الأوقات في استعراض قوة الجماعة من خلال هذه اليد هو صرف الأعين عن يد أخرى كانت أكثر طولًا ورجالها دربوا بعناية فائقة هم أبناء النظام الخاص، كما كانت تُطلق عليهم الجماعة، أو الجناح العسكري، الذي عمد المؤسس لنشأته في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي.
كانت تُشارك فرق الجوالة التي أسسها حسن البنا ببعض الاحتفالات والأنشطة التي كانت تُعطي انطباعًا بطبيعة تشكيلها والغرض منه، كأن تتجمع هذه الفرق في شكل استعراضي في غزوة بدر، مثلًا، ومدلول ذلك أن الله نصر المسلمين في هذه المعركة على الكفار فكانت المعركة يوم عز للإسلام وذل لأعدائه من الكفار، ولذلك بدا اختيار المناسبة أمر هام للآلاف المؤلفة من الجوالة التي كانت تخرج في الشوارع تستعرض قوتها العددية وكذلك تقوم بتأدية بعض الحركات الرياضية في الشارع أمام العامة والخاصة ومؤسسات الدولة أو المملكة وقتئذ.
من أهم نُظم جماعة الإخوان المسلمين أو وسائلهم نحو التربية الروحية أو الرياضية ما يسمى بالكتيبة، فضلًا عن وسائل التربية الأخرى مثل، الأسرة، والرحلة، وكلها أشكال محسوبة على فكرة البناء العضلي والتدريب الجسماني والتهيئة الجسدية والفكرية التي تتقبل فكرة العنف.
فالكتيبة عند الإخوان مثلًا، هي عبارة عن مجموعة مختارة من الإخوان يبلغون الأربعين عددًا، الهدف الأساسي في التكوين عند نشأتها عام 1937 هو إعداد هذه النخب، ويعتقد حسن البنا، أنه سوف يكون قادرًا من خلالهم فتح ما صعب على البيان واللسان؛ فقوة الساحر هنا تكمن في سلاحه وليس في عقله الذي يعتمد عليه.
كان يخطط المؤسس الأول أن يصل عدد أفراد هذه الكتائب إلى اثنا عشر ألفًا، وهنا تكون الغلبة كما روي عن رسول الله،: (ولن يغلب أثنا عشر ألفًا من قلة)، ولعل ذلك يوضح أيضًا الغرض من نشأة هذه الكتائب.
العجيب أن حسن البنا كان مهتمًا بهذا التشكيل الجديد، إخوان الكتائب، وكتب لهم رسائل منها رسالة التعاليم، وطبعت هذه الرسالة وكُتب على غلاف طبعتها الأولى "التعاليم، مني إلى إخوان الكتائب"، كتبها ليوحد بها أفهام الإخوان على ضوابط معينة ومعلومة، والعجيب أن الجماعة مازالت تُقيم هذه الكتائب ومازالت مصرة على تدريس رسالة التعاليم التي كُتبت لمن تم اختيارهم لمهمة بخلاف الدعوة بين الناس، وهو ما نتج عنه ترسيخ مفاهيم العنف بين أغلب قطاعات الجماعة على مر العقود والأزمنة.
جاء في رسالة التعاليم،: "فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات الموجزة، وهي ليست دروسًا تُحفظ لكنها تعليمات تُنفذ، فإلى العمل أيها الإخوة الصادقون وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السُبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".
وهو ما يؤكد أن طبيعة الكتيبة تختلف عن الأسر التي يتجمع فيها الإخوان وتمثل محاضن للتربية، فعندما خاطب حسن البنا أفراد الكتائب قال لهم،: "رسالتي إلى الإخوان المجاهدين" كما جاء في نص رسالته التي أبرزناها، وتحدث بعد ذلك عن بقية صف الإخوان فقال،: أما غير هؤلاء فلهم دروس ومحاضرات وكتب ومقالات ومظاهر وإداريات، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات وكلا وعد الله الحسنى.
يُفهم من كلام البنا، أن طبيعة نشأة الكتائب مختلفة، كما أن طريقة تلقيهم تختلف تمامًا عن طريقة تلقين بقية الإخوان والتي تعتمد على الدروس والمحاضرات وما سلف ذكره على لسان المؤسس، والذي أشار ضمنيًا إلى أنهم صفوة التنظيم، ولذلك أعد لتنظيمهم.
ولعل الخلاف الحقيقي بين فريد عبد الخالق، أحد أهم مؤسسي الإخوان وكان عضوًا سابقًا لمكتب الإرشاد وبين المرشد الأسبق، مصطفى مشهور ومن خلفه هو إقرار تدريس هذه الرسالة على بقية أفراد الصف بما يراه أنها تحمل فكرة العنف في طياتها وأنها دليل على بقاء النظام الخاص أو تحويل الجماعة بأكملها لنظام خاص.
ولا يبدو غريبًا القول إن الجماعة مازالت تحتفظ بصور العنف ولم يطرأ عليها تغييرًا بدءً من نشأة الجوالة والغرض منها أو حتى الكتيبة وما كان يُدّرس ومازال فيها، وهو ما دفع أجيال من التنظيم للانضمام لجماعات العنف الأخرى بعد أن هُيئوا نفسيًا وتربويًا داخل تنظيم الإخوان بحكم عوامل التربية.. وللحديث بقية.