إنه ناجح إبراهيم ذاته الذى ألهب ظهور المصريين فى زمن سابق بالتكفير والتفجير.. ولهذا فإنه بعد أن أتى إلى مصر والمصريين تائباً يكون الأقدر على الحديث الذى عنوانه «التكفير والتفجير – رؤية نظرية ودراسة عملية على دواعش سيناء» وهو البحث الذى أسهم به فى ندوة مكتبة الإسكندرية عن صناعة التطرف.. ويبدأ د. ناجح إبراهيم دراسته قائلاً «إذا كان الفكر صحيحاً سليماً أنتج مردوداً إيجابياً صالحاً ومصالحاً والعكس صحيح» ثم يمضى: «فالتكفير لا بد له من مردود عملى يتبعه وهو التفجير سواء أتى ذلك مباشرةً أو بعد حين، ولم يحدث فى تاريخ المسلمين كله أن اعتنقت مجموعة أو جماعة أو فصيل فكر التكفير دون أن تقتل من تكفرهم».. ثم يقول «إن المثال الأبرز هم الخوارج الذين هم أصل التكفير الذى لم يتردد لحظة وهم يكفرون ثم يقتلون ابن عم رسول الله على ابن أبى طالب ليسألوا أنفسهم كيف نكفر ونقتل الذى بات فى سرير الرسول (صلى الله عليه وسلم) مضحياً بنفسه يوم هجرة الرسول.. ولم يسألوا أنفسهم كيف يكفرون ما لا جاهلية له «فقد أسلم صبياً».. ثم يقول إن هذا المثال يؤكد أنه لا تصاب جماعة بلوثة التكفير إلا وقعت فى العنف وينطبق عليهم قول الرسول «يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان» ويفسر د. ناجح الترابط بين التكفير والقتل فيقول «هما وجهان لعملة واحدة سيئة.. فالتكفير قتل معنوى للمسلم يخرجه عن دينه ثم التفجير وهو القتل المادى الذى يخرجه عن الحياة» وبهذا يأتى د. ناجح إلى الفكرة ذاتها التى يتبناها خصوم التأسلم والإرهاب المتأسلم منذ ثمانينيات القرن الماضى وهى «الإرهاب يبدأ فكراً» ويقول ناجح «إن الخلاف بين الصحابة والتابعين والعلماء هو خلاف بين راجح ومرجوح، وصواب وخطأ.. فقد اختلفوا ولم يكفر بعضهم بعضاً ولم يفسق بعضهم بعضاً، بل كان يعذر بعضهم بعضاً، وكان الشافعى يقول رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».. ثم ينتقل بنا د. ناجح إلى حجة أخرى فيقول «إن الله لم يتعبد المسلمين أو أبناء الحركة الإسلامية أو الدعاة أو العلماء بتكفير أحد من المسلمين، بل تعبدهم بعكس ذلك، فلن يسألنا الله يوم القيامة كم من الناس كفرتهم؟ ولكنه سبحانه سوف يسألنا كم هديت؟ كم حببت فى الدين؟ وقربت الخلق من الحق سبحانه وتعالى؟ وقد نهى الرسول المسلمين عن تكفير أحد من المسلمين فقال من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كانت كذلك وإلا ردت عليه».. أما حجة الإسلام الغزالى فقد قال «والذى ينبغى الاحتراز منه التكفير ما وجد إلى ذلك سبيلاً فإن استباحة الدماء والأموال من المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ.. والخطأ فى ترك ألف كافر فى الحياة، أهون من الخطأ فى سفك دم مسلم».. ويمضى الغزالى ليقول «القضية أن تكف لسانك عن أهل القبلة ما داموا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن التكفير فيه خطر، أما السكوت فلا خطر منه».. ثم يأتى د. ناجح إلى ابن تيمية الذى يتقول عليه البعض بأنه قال بالتكفير فيقول «ومصيبة الجماعات التكفيرية أنها كانت دوماً تنتزع كلمات من كتابات ابن تيمية وتقتطعها من سياقها وتستدل منها استدلالات باطلة لتكفير الكثير من المسلمين»، ثم يأتى إلى كلمات حاسمة قالها ابن تيمية نافياً عن نفسه تهمة التكفير فيقول «والذى نختاره ألا تكفر أحداً من أهل القبلة».. ثم هو يقول فى مجموعة الفتاوى «من جالسنى من أتى من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب إلى شخص تكفير أو تفسيق»، ويقول كذلك «ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه.. والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله».. ثم يوجه د. ناجح هجومه المباشر على داعش والقاعدة قائلاً: وعلى هذا فإن أكثر الجماعات التكفيرية مثل القاعدة وداعش وأخواتهما والتى تكفر الكثير والكثير من المسلمين وتستدل على ذلك بابن تيمية هى لم تعرف شيئاً عن فقه ابن تيمية، ولا تحسن قراءة النص الشرعى دائماً سواء من القرآن أو من السنة أو من أقوال الفقهاء والعلماء، وعادة ما تقرأ ذلك باجتزاء أو تحريف أو إخراج للكلام عن سياقاته، أو تبنى الفكرة أولاً ثم يكون البحث عما يؤيدها من كلام العلماء، مع أن الأصل أن تقرأ أولاً للعلماء والفقهاء وتدرس أقوالهم وتربط بعضها ببعض، لا أن تضرب بعضها ببعض.. والغريب مثلاً أن داعش يكفر تسعة أعشار المسلمين فى العالم ثم يستدل على ذلك بأقوال بعض العلماء مثل ابن تيمية وهو منهم براء.. ثم يمضى ناجح ليناقش مسألة التكفير بالجملة ويقول «حكم الكفر هو حكم على الشخص المعين المكلف شرعاً، ولكن القاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس وأنصار الشريعة تكفر بالجملة، فتكفر مثلاً كل الجيوش العربية ومنها الجيش المصرى وكل الشرطة والأجهزة الأمنية فى معظم الدول العربية والإسلامية وكل الشيعة وكل الصوفية».. ويقول «إن الإيمان والكفر مناطهما القلب أساساً، وكما أن الإنسان يدخل الإسلام باختياره وإرادته فإنه لا يخرج إلا باختياره وإرادته، وقد نهى الإسلام عن تعميم الأحكام أو العقوبة فى قوله تعالى (ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، وأيضاً (كل نفس بما كسبت رهينة)».. وتحت عنوان «تشريح العقل التكفيرى» يقول «العقل التكفيرى عقل سطحى وكل خلاف بينه وبين الآخرين من أمر الدين هو كفر أو إيمان ومفاصله عقائدية.. والعقل التكفيرى يستكثر رحمة الله بخلقه فالله غفر لبغى لأنها سقت كلباً رأته فى الصحراء يكاد يموت عطشاً».. والعقل التكفيرى ينتمى لمن قال عنهم رسول الله «من قال هلك الناس فهو أهلكهم، فهم لا يعجبهم أحدا يكفرون الحاكم وأعوانه والجيش والشرطة والبرلمان والصوفية وحتى بعض الحركات الإسلامية».. ثم يتحدث ناجح إبراهيم عن «داعش فى سيناء» وكيف تدرج.. وبدأ باسم «التوحيد والجهاد» ثم توحدت كل الفصائل التكفيرية فى سيناء وأسمت نفسها «أنصار بيت المقدس» بولاء مطلق للقاعدة.. ثم خلع بيعة الظواهرى وبايع أبوبكر البغدادى.. وفى جميع المراحل كان يحكمه فكر جماعة «التكفير والهجرة» ويقول عنهم إنهم يكفرون الجميع ففهمهم للشريعة لا يجاوز نعالهم».. وبهذا يحدد د. ناجح حقيقة داعش والقاعدة بعد تحليلها ولعله يؤكد لنا.. «لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها».. وقد عانى د. ناجح إبراهيم وكابد فى صراع نفسى صعب مع هذا الفكر حتى انتصر على ما كان من نفسه وعاد من جحيمه حاملاً هذه الأفكار الرافضة للتكفير والتفجير معاً.. فشكراً له.
آراء حرة
ناجح إبراهيم في مكتبة الإسكندرية.. رؤية لدواعش سيناء
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق