الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نظرات وقلب من زجاج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وقف ينظر من وراء الزجاج إلى عالم يراه كل يوم.. وقف هذه المرة وكأنه يرى العالم لأول مرة.. ساحت عيناه فى هذا الفضاء الفسيح، وتلك الشوارع المترامية الأطراف.. ما هذه البنايات؟ وكأنى أرى تفاصيلها للمرة الأولى من ناظرى عجبا.. إنها المرة الأولى فى عمرى التى أرفع فيها عيناى إلى أعلى، وأتفحص هذه التفاصل الهندسية الرائعة لتلك البنايات، وكأنى كنت محتبسا داخل قصور من البصر لا أرى إلا تحت قدماى فقط.. زاغ بصره بعيدًا إلى كوبرى مبتسما يعج بالحياة، والمارة كل ما يعرفه عنه اسمه فقط.. لم يخطر له بال يوما أن يبعث عيناه لتحتضن تفاصيل هذا الكوبرى، وتصميمه الهندسى الرائع الذى يبعث على السرور، والتعجب من قدرة الإنسان على الإبداع.
تفاصيل كثيرة من جماليات الحياة أنكرتها تماما، وكأنها غير موجودة ولم تخلق.. أنكرتها بعيون وقلب مغلق سنين طويلة، وما هى الحياة إلا تفاصيل تملأ النفس شغفا بالمعرفة والبحث عن المجهول، وما الخوف من الحياة إلا خوف من المجهول وعدم القدرة على التوقع.
إن الظلام الذى يملأ غرف العقل لهو الباعث الحقيقى على الحياة.. ما هذا الذى يتدفق بين جنبات عقلى وموجات قلبى أيمكن أن يكون الظلام والخوف من المجهول باعثا على تدفق الحياة، والله إنى قضيت عمرى كله حريصا على أن أسلك الدروب السهلة التى يملؤها الهواء الجاف والأشجار اليابسة ولكنها آمنة، وكنت أنظر إلى الدروب التى يملأ شرايينها الحياة ومنابع الخير والشغف بالأمل، والفضول فى البحث عن تحقيق الذات، فكنت أراها مجهولة معتمة لا أعرف عنها شيئا، ولكم حاولت مرات عديدة أن أدخل من بواباتها، ولكن خوفى من المجهول كان دائما يتراجع برأسى فأعود إلى أدراجى البائسة الآمنة آمن التعساء، يقول أحد الحكماء إن قوتك تكمن على الطرف الآخر من خوفك، وإن سعادتك تكمن فى أعلى هذا الجبل الذى تخاف ارتفاعه.
خوفًا من الأمان وأمانا من الخوف، تخاف من الناس فترى العزلة تعبيرا عن الحكمة، وهذا زيف تخاف من المواجهة، وتقول إننى أعقل من كل الناس مع إن الفرق بين الشجاعة والتعقل شعرة بسيطة جدًا، تخاف أن تحب امرأة حتى لا تهجرك وتقول كلهن خائنات، انت تخاف من هويتك معتقدًا أنك آمن الآن مع إن قوتك تنساب بين أنفاسك، وأنت لا تدرى إن كل أمانك أن تكون قريبا منك أنت فقط، أمانك الذى تبحث عنه وعن خطايا ظله هو والله نائم داخلك أيقظه الآن، وقل له شكرًا أنا آسف لم أدرك يوما أنك بين جنباتى وتحت سماء روحى، ولكننى ذهبت أبحث عنك ووضعت بعيدا، أدركه أنه هنا والآن.
سبحان الحى الذى لا يموت.. عشت عمرى كله خائفا من خوفى، حريصا على أن أكون آمنا أمن الخائفين محصنا نفسى داخل قلاع من الاعتقادات المزيفة والتى بدت حقيقية لى سنوات عمرى، والله إننى لا أعرف حتى لون هذا الزجاح الذى أنظر من ورائه، أنا لا أعرف تفاصيل أى شيء إلا أن أغلف نفسى بغلاف من سوليفان وأبعد عنها خوفا منها، وأنخرط فى مواجهة خوفى الذى يتعمق فيّ كلما حاربته فعشت بعيدا عن أرضى وديارى غريبا منفيا متخبطا.
نعم الآن أدرك أن الكمون والقدرة وحب الحياة يأتى من داخل النفس من داخل الذات التى هربت منها طويلا، كيف تكون آمنا شغوفا مستمتعا بالحياة وأنت خارج المصدر، وأنت كاره لهذا المصدر، هويتك الحقيقية تأتى من منبع الذات ومنبع الذات أوجده الله سبحانه فيك منذ الخلق نقيا صفيا قويا موحدا بالله محبا للحياة لك رسالة على الأرض ولك كل الاختيارات ولك كل الحق أن تفعل ما تريد، نعم لك ملكات وأهداك الله سبحانه مواهب عديدة.. إذا من أين تبحر سفينتك وتأخذ اتجاهات طريقا متوازيا مع هويتك؟ كيف تتحرك الأمواج ويكون اتجاه الريح مندفعا إلى المدينة التى خلقك الله سبحانه لتقوم بأعمارها، كيف يبتسم لك الشراع معلنا قوته وعناده فى مواجهة العواصف ويضيء لك القمر خطى المسير.
هنا مكمن التحول إلا وهو الإدراك والتدبر وقراءة الإشارات التى يرسلها لك الله سبحانه إلى محطات الاستقبال داخل قلبك، والله لن تستطيع أن تقرأ الإشارات التى يرسلها لك الخالق العظيم إلا وأنت ساكن مستسلما له تماما، وإلا عش كما تريد وسوف تحاسب، فأنت لك كامل الحرية.
يقول العلم إن هناك قانونا للجاذبية يعمل باختصار مع مكونات الكون يعكس إليك ما تراه فى نفسك واستحقاتها وهذا لا يتعارض مع الدين من أى ناحية، ولكن كيف يعمل هذا القانون الذى يجعل حياتك وواقعك حسب ما تراه أنت فى نفسك من حب أو كره أو ذكاء أو جاذبية للآخر أو غنى مادى أو سلطة أو نفوذ؟ فنحن نمتلك كل الطاقات وكل الإمكانيات.
فقد أثبت العلم بلا شك أن كل البشر خلقوا جميعا ولديهم نفس الطاقة التى امتلكها هتلر الذى هز العالم على خلفية اعتقاده أنه الأقوى والأعظم مع إن كل البشر خلقهم الخالق العظيم بنفس الحظوة والإمكانية ولكنه الاعتقاد والإدراك والإيمان بقدرة العقلب والعقل، أنت تخلق واقعك وتخلق العالم الذى ترى فيه استحقاقك هذا العالم الذى حولك ما هو إلا صورة من تصوراتك عن نفسك، وهذا ما سوف نحاسب عليه يوم الدين.. معادلة سهلة ومعقدة.
ولكن ما هى تلك العلاقة الغامضة ما بين ترددات القلب واستقبالات العقل ومفردات الكون؟ الله وحده يعلم ولكن الذى يمكن إدراكه هو أن الله سبحانه أوجد كل شيء على الأرض ونحن نعلم أنه ما من شيء إلا يسبح بحمده ولكن نحن كبشر لا نفقه هذا التسبيح، ولا هذه العلاقة بين الناس وبين الجماد والرياح أو الماء وكل ما هو كائن على وجه الأرض وخالقها، ولا كيف تستجيب هذه المخلوقات التى خلقت لتسبح بحمد الله وخدمة البشر ولا حتى معنى ومصدر هذه الطاقة إلا أنها من عند الله.
المهم أن علاقة تلك المخلوقات تحكمها الطاقة فكل شيء على وجه الأرض هو طاقة تتحرك بتردد معين وفى اتجاه معين وبتماسك معين وبسرعة معينة هذه الطاقة أو Frequency لها ذبذبات معينة تتجاوب مع ذبذبات أخرى لها نفس التردد، فعلى سبيل المثال كل عضو فى الجسم له تردد معين، يضعف هذا التردد بشدة ويضمحل إذا مرض هذا العضو لماذا؟ لأنه اجتذب إليه مسببات مرضية أو أوبئة ضعيفة التردد فيصاب بالعطب والمرض وهكذا القلب العليل سوف تجد أن له radiation ضعيف حسب مستوى المرض والعلة حفظكم الله.
كل شيء يتحرك على الأرض يخضع لاختيارات البشر حتى الرزق يتغير حسب اعتقادك فى الله سبحانه (أنا عند حسن ظن عبدى بى) فأنت ترى داخل نفسك الاستحقاق أن تكون غنيا فأنت تحب نفسك من هذه المنظور، ولكن الاعتقاد هنا ليس اعتقادا لفظيا وإنما من داخل عقلك الباطن ومن منطقة اللاوعى (منطقة الأحلام) الذى احتفظ بهذه الصورة منذ طفولتك المبكرة فى هذه الحالة تتكون الترددات الصادرة منك للكون محمولة بـ Frequency له تردد يجذب إليك المال، ومسببا لجلب الرزق الواسع أو العكس، فتجد شخصا يسعى ويجتهد شاقا بدون فائدة ومع ذلك تجده فقيرا معدما لماذا؟ لأنه لا يرى فى نفسه هذا الاستحقاق للخير لكرهه الشديد لنفسه مع الادعاء طبعا بضيق العيش ومرارة الحياة، ولكن عجبا هذا هو الأمان بالنسبة له وهذا هو النموذج الذى زرعته فيه طفولته، فى هذه الحالة يقوم الجهاز المنطقى لديه بتصوير مجموعة من المسببات لهذا الفقر والعوزة حتى يشعر متوهما أنه فعل ما يجب أن يفعل وما باليد حيلة، وربنا عايز كده، طبعا من الاستحالة أن تكون هذه إرادة الله سبحانه أن يخلق عبدًا معذبًا فى الأرض بلا جريرة ثم يحاسبه بعد ذلك.
من الواجب هنا أن أتحدث عن الصورة الذهنية لكل إنسان عن نفسه وكيف تلعب الطفولة الداخلية دورا كارثيا فى علاقتنا بالحياة ولكن سأرجئ هذا إلى مقالة أخرى إن شاء الله.
كل ما أود أن أقوله لنفسى ولك ونحن ننظر إلى العالم من وراء تلك النوافد والتحصينات الزجاجية إن الله سبحانه أمرنا بالتفكر والتدبر وإلا لماذا وهبنا هذا العقل ذا القدرات المخيفة والرائعة؟ أما السكون الذى يقرب الإنسان من ذاته فلن يأتى إلا من الصلاة التى لا بد أن يكون منبعها القلب وليسكن كل شيء.
يقول بعض علماء اللاهوت إن صلوات المسلمين ما هى إلا الوسيلة الأفضل للقرب من الله سبحانه، لو تمت كما أمرنا به الله سبحانه وعلمنا إياها المصطفى عليه الصلاة والسلام (تسليم النفس والأمر كله لله تعالى).
حتى الطفولة السيئة وكره الذات ومحاربة الحياة يمكن علاجها بالإدراك والتفكير من القلب، والقرب من الله سبحانه لأن القرب من النفس هو قرب من معرفة قدرة الخالق العظيم، هنا سوف ترى عالما غير الذى تراه الآن وسوف ترى البحر والسماء والقمر غير التى تعرف، وسوف ترى الناس تعشقهم وتحبهم حبا غير الذى تعرف لأنك الآن فقط أصبحت حقيقيا، وهنا سوف ترى الحقيقة وضاءة ملء عالمك وواقعك، هنا سوف ترى قانون الجذب يتحقق ملء عينيك وتسأل.. ارجع إلى نفسك، افتح قلبك فدائما هناك وقت وأمل حتى لو كان عمرك 100 عام، يموت الإنسان عندما يموت شغفه بالمجهول وبالمعرفة وبالحياة، فالقلب ينبض وينبض ويظل شابا طالما أنه لا يزال قابعا فى محراب المعرفة وحب الله.