الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (7)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استعرضنا في المقال السابق علاقة سيد قطب وأيمن الظواهري بتنظيم الإخوان المسلمين، واعتراف الأخير في كتابة فرسان تحت راية النبي بأن سفرة لأفغانستان كان بمشورة من الجماعة التي كان يعمل الظواهري في أحد مؤسساتها الطبيبة التي كان يُشرف عليها نائب المرشد السابق، د. أحمد الملط وخلفه النائب للمرشد الحالي د. محمود عزت، كما استعرضنا العنف في فكر ومخيلة سيد قطب، وكيف ترجمه لتنظيم مسلح.
لم يبقى أمامنا لتوضيح باقي أضلاع مثلث العنف غير نقل اعترافات د. يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بأنَّ أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" والملقب بخليفة المسلمين، كان ينتمي للإخوان المسلمين، فقال القرضاوي في تسجيل صوتي،: وقالوا: إن هذا الشاب "أبو بكر البغدادي" من الإخوة، الإخوان، في أول أمره، ولكنه كان يميل إلى القيادة وإلى كذا، فأغراه هؤلاء بعد أن ظل عدة سنوات مسجونًا، خرج وانضم إلى هؤلاء".
وهناك تسجيل آخر لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الحالي، يعترف فيه أن، أسامة بن لادن، كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين فقال في التسجيل الصوتي،: الشيخ أسامة بن لادن يقول أنا مطرود من تنظيمي، فقد كنت في تنظيم الإخوان المسلمين وطردت، فأنا أحد المطرودين، الشيخ أسامة بن لادن كان من جماعة الإخوان المسلمين في جزيرة العرب، ولما بدأ الغزو الروسي لأفغانستان، الشيخ نفر إلى باكستان يتعرف إلى المجاهدين ويعاونهم، وكانت توجهات التنظيم له أنك لا تتخطى لاهور، الجماعة الإسلامية في لاهور تترك المعونات والإعانات، هم يوصلونها وأنت ترجع".
هذه الاعترافات تدل على أن هناك خيط رفيع يجمع كل هذه التنظيمات، سيد قطب بالظواهري وأسامة بن لادن بأبو بكر البغدادي، كما يجمع هذه الأسماء بالإخوان المسلمين وإن كانت هناك بعض التباينات فإنها في التطبيق وليس في الفكرة التي يتجمع حولها الجميع، فهمًا خاطئًا للدين وتصورًا قاصرًا في التطبيق أيضًا.
علاقة أبو بكر البغدادي الملقب بخليفة المسلمين بالإخوان المسلمين حسب تصريحات يوسف القرضاوي، وأسامة بن لادن، حسب تصريحات أيمن الظواهري، يدلُّ على أن جماعة الإخوان المسلمين كانت وسوف تظل مفرخ لتيارات العنف المسلح، فوجود جماعات وتنظيمات دينية خارج إطار المؤسسات الدينية التي تعبر عن وسطية الإسلام يجعلها تنحرف أو تُساعد على انحراف أتباعها، لسبب بسيط أنها تتأثر بالأوضاع المجتمعية واعتقال قياداتها أو التضييق عليها أو تولي قيادات لها قد يكونوا مؤمنين بالفكر القطبي، فنفس هذا التنظيم هو الذي أنتج سيد قطب بأفكاره التي أصبحت ملهمة لكل تيارات العنف في العصر الحديث وأصبحت مصدرًا أساسيًا لكل التنظيمات التي أخذت على عاتقها فكرة التغيير بالقوة.
الاستطراد في هذه النقطة يعتبره البعض تعسفًا، خاصة وأن جماعة الإخوان المسلمين أعلنت في بعض أدبياتها أنها ضد العنف وإن كانت قد عبرت عن العنف في أدبيات أخرى، كما أنها ترفض التغيير بالقوة، وربما يكون ذلك صحيحًا من الناحية النظرية ولكن ممارستها قد تختلف عن ذلك، فرغم أنها ترفض العنف إلا أنها استخدمت هذا العنف، فأنشئت تنظيم 1965 الذي أراد تغيير النظام السياسي وقتها بالعنف، فضلًا على طريقة تعاملها بعد عزل محمد مرسي ولعل هذا كان واضحًا من تعريفها لمعنى السلمية، معتبرة أن أي طريقة اعتراض طالما أنها ما دون الرصاص فهي سلمية، وهو التفاف جديد على معنى العنف والسير في طريقة، وهو ما أنتج في النهاية حوادث عنف مثل حرق سيارات الشرطة وإلقاء المواد الحارقة على المؤسسات، وقد تناسوا أن استخدام العنف ليس قرارًا وإنما سلوك يتطور داخل الإنسان.
جماعة الإخوان المسلمين وفرت بيئة حاضنة للعنف، فأصبحت شريكة لكل الذين استخدموا العنف على الأقل بعد عزل محمد مرسي، فضلًا على أنها مثلت وسط حاضن لكل الجماعات التي تدعو للعنف، وبتتبع بعض التكفيريين الذين اشتركوا في تنفيذ عمليات مسلحة في شبة جزيرة سيناء وغيرها يعترف بعضهم بعلاقة جمعتهم بجماعة الإخوان المسلمين في وقت من الأوقات، فإذا كانت الجماعة تقوم بجذب الشباب إلى تنظيمها ولا تحافظ على سمتهم المحافظ الوسطي إن كانت تدعو لذلك، فيمكن أن نقول، إن لديها مشكلة إما في مناهج التربية التي يتلقاها هؤلاء أو في طريقة تلقين هذه المناهج وهو ما ينتج عنه خلل يؤدي إلى كفر بعض الشباب بمنهج التنظيم وانسحابه لصالح تنظيمات أخرى مسلحة.
ولذلك نقول، إن أي جماعة أو تنظيم ديني أو سياسي أو حتى اجتماعي يمر بعدة مراحل، الشيخوخة تُعد أحد مراحله الأساسية، وهذه طبيعة كونية وسنة إلهية في المخلوقات، فما بالك لو أن هذا التنظيم من صناعة البشر، أوليس كالبشر الذي يمر بمرحلة الشيخوخة، فإذا كان البشر الذين يمرون بمرحلة الشيخوخة من صنع رب البشر، فإن هذه التنظيمات من صنع بشر لا من صنع رب، وبالتالي أولى بهم أن يمروا بهذه المرحلة العمرية.
انتفاء صفة الانحراف وإدعاء صفة الربانية، هو دليل على الشيخوخة المبكرة أو حتى المتأخرة لهذه التنظيمات، فكثير من المرضى الذين يعانون العرض والمرض في نفس الوقت، لا يدركون بحواسهم أنهم قد وصلوا لهذه الشيخوخة، بل يجادلون في إدعاء هذه الحيوية، وتجدهم في ذات الوقت يكثرون من استخدام كلمات مثل الربانية وخلافها وصفًا للتنظيم الذي ينتمون إليه، ويكيلون الاتهامات لكل من يحاول أن يناقش هذه الأوصاف أو ينفيها، مُعْتبرين أنَّ الاقتراب من التنظيم خط أحمر لا يُعفي صاحبة من رميه بأوصاف قد تخرجه من الدين، فهؤلاء يعتبرون أنَّ التنظيم معنى مرادف للإسلام؛ فمن يُحَارب التنظيم إنما يُحَارب الإسلام، ومن حيث لا يدرون يعتبرون أنفسهم قائمون على هذا الدين، حُراسًا له، ومن يعتبر نفسه كذلك ينفي عن تنظيمه كل خبيث، ولا يمكن أن يسمع أو يسمح لتشكيك في هذا التنظيم ولا قياداته، وهنا مكمن الخطورة حيث ينجر هؤلاء في لحظة ما إلى العنف، وهم لا يدركون خطورة ذلك من فرط ثقتهم بالمنهج وقياداته التي شاخت.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الفروق الحقيقية بين التنظيمات التي تدعوا للعنف والأخرى التي مثلت بابًا مفتوحًا للعنف، تارة تنفى عن نفسها العنف في العلن وتارة تمارسه مثل الرذيلة في السر، وتقوم بدعم من يمارسونه، نحاول الإجابة على هذا السؤال في المقال التالي.. وللحديث بقية.