كان الانقلاب الشعبى في ٣٠ يونيو على حكم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والذي تم بدعم جسور من القوات المسلحة، حدثا تاريخيا فريدا في التاريخ العالمى المعاصر. وذلك لأنه كان احتجاجا شعبيا جارفا على خرق جماعة الإخوان المسلمين، في حكمها لمصر، قيم الديمقراطية الأساسية التي تقوم على الحوار وعدم الإقصاء، وترفض الانفراد بعملية صنع القرار، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بوضع دستور جديد للبلاد يفترض فيه أن يعبر عن مختلف ألوان الطيف السياسي من خلال منظور يراعى التوازن بين الطبقات من ناحية، والتعبير الموضوعى عن التوافق السياسي حتى لا يطغى تيار أيديولوجى مثل تيار الإسلام السياسي، على نصوص الدستور، بغض النظر عن اعتراض ممثلى التيارات السياسية الأخرى.
ويبدو أن جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة في مكتب الإرشاد الذي يتحكم في قرارات الجماعة، أصيبت بصدمة هائلة حين وجدت نفسها –بعد إقصاء طويل واستبعاد من دوائر الحكم أكثر من ثمانين عاما- تحكم مصر فعلا بالكامل! وذلك لأنها في الانتخابات النيابية حصلت على الأكثرية هي وحزب النور السلفى، ما شجعها على أن ترشح أحد قادتها لمنصب رئيس الجمهورية، بالرغم من أنها أكدت قبل الانتخابات النيابية أنها لن تفعل ذلك.
وحين رشحت الجماعة «الشاطر» وتم استبعاده لأسباب قانونية تخص سجله الجنائى، لجأت إلى «محمد مرسي»، ووضعت كل قوتها وراءه مستغلة غفلة التيارات الليبرالية التي ذهب بعض ممثليها بعد الجولة الأولى من الانتخابات، وحين انحصرت المنافسة بين الفريق «أحمد شفيق» و«محمد مرسي»- لدعم «محمد مرسي» بعد أن أخذوا عليه المواثيق أن يكون حكم الإخوان المسلمين- لو نجح- «مشاركة لا مغالبة» ووعدهم الرجل خيرًا. وحين نجح بدأ في الحكم بتوجيهات مكتب الإرشاد ليكون الحكم «مغالبة لا مشاركة»، بمعنى إقصاء جميع القوى السياسية من دائرة صنع القرار، وخصوصا في مجال وضع الدستور.
وهكذا بدأت الجماعة الإرهابية في تنفيذ مخططها «لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع»، وبادرت بحصار المحكمة الدستورية العليا حتى تمنع قضاتها الأجلاء من حل اللجنة التأسيسية لعوار قانونى في تشكيلها، بعد أن أصدرت حكما بحل مجلس الشعب، وأقالت النائب العام وعينت بدلا منه نائبا عاما إخوانيا، وثبت أنها تريد أن تنفذ بكوادرها إلى كل مفاصل الدولة ومؤسساتها الرئيسية لتغيير هوية المجتمع وطبيعة الدولة المدنية، وتحول مصر إلى دولة دينية تكون مجرد ولاية في الخلافة الإسلامية التي كانوا يحلمون بإقامتها.
وقد قطعت ٣٠ يونيو الطريق على تنفيذ هذا المخطط الهدام، وتم في ٣ يوليو إعلان خارطة الطريق، واعتصم الإخوان المسلمون اعتصاما مسلحا في «رابعة» بعد أن تم عزل «محمد مرسي».
وكانت مطالب مكتب الإرشاد، كما ارتفعت هتافاتهم في رابعة، بعودة «مرسي» للحكم، وعودة مجلس الشورى الإخوانى للانعقاد.
وجاءت زلة لسان «البلتاجى»، أحد قادة الجماعة المشهورين، كاشفة عن التنسيق الوثيق بين جماعة الإخوان والمنظمات الإرهابية في سيناء، حين صرح قائلا «في اللحظة التي سيعود فيها «محمد مرسي» إلى منصبه كرئيس للجمهورية سيتوقف الإرهاب في سيناء فورًا»!
ومعنى ذلك أن هناك تخطيطا مشتركا بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية.
ويمكن اعتبار تصريح «البلتاجى» أول مبادرة للتصالح مع الدولة المصرية، ومبناها أعيدوا «مرسي» إلى الحكم ونحن نوقف الإرهاب!، وهكذا بحماقة منقطعة النظير تصور هذا الزعيم الإخوانى أن الشعب- بعد أن انتفض ضد حكم الإخوان الديكتاتورى- سيقبل بكل بساطة عودة الأمور إلى سابق عهدها، بمعنى عودة الإخوان إلى الحكم حتى يستكملوا مشروعهم التاريخى في الانقلاب على الدولة المدنية.
ونحن نعرف ما تم بعد ذلك، ونعنى اتخاذ الدولة قرارا حاسما بفض الاعتصام المسلح في رابعة، والقبض على زعماء الجماعة، وإحالتهم للمحاكمة، بحكم تحريضهم على ممارسة العنف والإرهاب.
وقد ظننا أن حماقة «البلتاجى» في المبادرة الخائبة التي أعلنها للصلح مع دولة ٣٠ يونيو قد دخلت إلى مزبلة التاريخ وانتهى أمرها، غير أن الرأى العام لم يدرك أن هناك عملاء يعملون لصالح دول أجنبية وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية التي أقامت حلفًا سياسيًا بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين، على أساس وهى مؤداه أن الجماعة يمكن أن تمثل تيارا إسلاميا معتدلا يمكن التعامل معه -بعكس الحال مع التنظيمات الإرهابية المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة.
وهؤلاء العملاء الذين كانوا هم الجسر الذي عبرت عليه قيادات جماعة الإخوان المسلمين للتفاوض الإستراتيجي مع المسئولين الأمريكيين، والتي كان من بينها قبول الولايات المتحدة الأمريكية أن تحكم جماعة الإخوان المسلمين مصر- عادوا مرة أخرى بعد الفشل السياسي للجماعة والسقوط التاريخى لتيار الإسلام السياسي لطرح مبادرة للصلح بين جماعة الإخوان والدولة المصرية.
وتبدو سذاجة هذه المبادرة المطروحة في كونها تدعو -بكل تنطع- إلى الإفراج عن كل قيادات الإخوان المسلمين في السجون بمن فيهم «محمد مرسي» و«خيرت الشاطر» و«الكتاتنى» وغيرهم، والسماح بإعادة تكوين جماعة الإخوان المسلمين لتعود كما كانت، وكذلك إعادة تكوين حزب «الحرية والعدالة»، وبالتالى يتم إدماجهم السياسي من جديد في الحياة السياسية المصرية.
وذلك مقابل ماذا؟ يقول صاحب المبادرة مقابل أن يعتذر قادة الإخوان للشعب المصرى عن الخطايا التي ارتكبوها وإعلانهم التوبة!
ويقول صاحب المبادرة: إذا كانت العداوة مشتعلة بين الشعب الذي ثار في ٣٠ يونيو وليس بين الدولة والإخوان يمكن أن نلجأ إلى استفتاء شعبى لحسم الموضوع!
يصعب علينا التعليق على هذه المبادرة الحمقاء والتي لا تعبر إلا عن العمالة الصريحة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، على حساب مصالح الشعب المصرى الذي يرفض بكل حسم أمثال هذه المبادرة المشبوهة!.