الأعلام الأمريكية التى أحرقناها فى ميادين مصر أكثر من أعلام إسرائيل، فما هى دلالة ذلك؟ الإجابة بسيطة وهى أن مخزون العداء الشعبى بمصر ضد السياسات الأمريكية هو مخزون متصاعد، وهذا ليس جديدًا على الحالة الشعبية، بل يزداد هذا الاحتقان بشكل خاص عند جماعات اليسار باعتبار أمريكا دولة حرب ودولة إمبريالية استعمارية، ويمكنك أن تقول عنها ما شئت فى خصومتها للبشر وللإنسانية، وما العدوان المتوالى على المنطقة منذ حرب العراق وصولًا لما أسموه بالربيع العربى إلا دليل صغير يجعلنا نتوجس من كل كلمة وكل تصريح وكل خطوة تتحركها أمريكا.
ولذلك جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى والتى عبر فيها عن قلقه على حالة حقوق الإنسان بمصر وحالة نشطاء حقوق الإنسان الذين يواجهون قضايا فيما سمى بقضية التمويلات الخارجية، جاءت كما الدبة التى قتلت صاحبها من فرط حبها له، وبدلًا من حشد تعاطف مع ناشط هنا أو حقوقى هناك جاء الأخ جون كيرى ليغلق هذا الباب تماماً، وكان من الحصافة على من شملهم الاتهام أن يردوا ببيان على الخارجية الأمريكية يرفضون فيه هذا التدخل وتلك الوصاية، ولكننى واثق أنهم لن يفعلوا لتشابك المصالح وتعقيدات الارتباطات التمويلية.
وأمريكا صاحبة السجل الحافل للتعذيب من أبوغريب إلى جوانتانامو إلى آلة الحرب التى ترعاها سواء فى الناتو أو منفردة، تجعلنا دائمًا على نقيض موقفها، فطالما هى دافعت عن متمولى مصر، فيكون الصحيح هو أن أفكر مرتين قبل التورط فى الدفاع عما لا أعرفه عن النشطاء الحقوقيين، أكتب هذا بوضوح وبدون مواربة على الرغم من العمق الزمنى والشخصى الذى يربط بينى وبين عدد من الذين طالهم الاتهام، لأنه من العجيب والغريب حقًا أن الخطاب السياسى لعدد من المتهمين كان معاديًا لأمريكا على طول الخط قبل الانخراط فى المسألة الحقوقية التى تحولت من رسالة إلى مهنة واحتراف.
ولنا فى ذلك تساؤل.. لماذا انحصر العمل الحقوقى بمصر فى نشطاء من اليسار بمختلف تنويعاته؟ وكيف تحول الخطاب الرافض للعدوان الأمريكى إلى خطاب مختلف مهادن صامت بل شامت فى كثير من الأحيان إذا ما تمخض الجبل الأمريكى وأصدر بيانًا معاديًا لنا ومتدخلًا فى شئوننا؟. وملاحظة أخرى.. أفهم أن عددا من الناصريين المتحوققين يمكن لهم الدفاع عن تنظيم الإخوان، ولكن من المستحيل أن أفهم هذا الكلام وهو يتدفق عبر لسان يسارى علمانى، نعم حدث هذا فى مصرنا، حتى إنهم خرجوا علينا بتنظيرة أن الإخوان فصيل وطنى.
تعالوا نفرد الخط على استقامته، أمريكا دعمت الإخوان بكل ما أوتيت من نفوذ، وزيارات السفيرة الأمريكية للمرشد تشهد على متانة العلاقة وإصرارها على السير لآخر المشوار واستخدام التأسلم فى سيناريو الفوضى الخلاقة المعروف، وبالرغم من وضوح هذه الصورة للمواطن البسيط إلا أن الحقوقيين المصريين أغلقوا عيونهم، بل زايدوا على أمريكا نفسها حتى إنهم أطلقوا على فض اعتصام رابعة المسلح مصطلح مجزرة، وبذلك نرى أن سعادة الحقوقى لا يهمه إلا حقوق الإنسان الإرهابى، وهو أمر غير مهنى على الإطلاق فى المسألة الحقوقية نفسها، غياب تلك المنظمات عن إدانة الإرهاب فى سيناء يجعل تلك المنظمات فى مرمى الشكوك.
والآن على الأخ جون كيرى بعد تصريحاته فى تلك القضية أن يغلق فمه للأبد، فكما أشرت أنه قدم الأذى لمن أراد أن يقدم لهم الدعم، وفى ذات الإطار ومن باب المكايدة أجد أن الشكر واجب لوزير خارجيتنا الذى ألقم كيرى حجرًا يليق به.