«نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا».. هذا هو توصيف ما نحياه نحن أمة العرب؟!.. ماذا فعلنا لنحمى أنفسنا من كَون لا يحترم إلا القوة والأقوياء ويدهس ويفنى الضعفاء.. تذكرنى محنة الأمة بالمسلسل السورى الرائع «ملوك الطوائف» الذى كتبه ببراعة المبدع «وليد سيف» وأخرجه بحرفية وإتقان المتميز «حاتم على»، وعرض عام ٢٠٠٥، ليحكى عن طرق إسقاط الدول، والذى كنا نراه أقرب للخيال من الواقع، وتابعنا كيف سقطت الأندلس بعد انتهاء الخلافة الأموية، وتقسيمها إلى دويلات صغيرة ومتناحرة، كل منها تحاول بسط نفوذها على الأخرى والاستئثار بالمُلك، وقد أبدع الممثلون فى أداء أدوارهم وخاصة الفنان القدير «تيم الحسن» فى دور «المعتمد» آخر ملوك «بنى عباد» الذى ورث حكم أشبيلية من والده ثم استطاع ضم «بلنسيه ومورثيا وقرطبة» ليصبح أقوى ملوك الأندلس، ثم قصة حبه وزواجه من الجارية «اعتماد» التى قامت بدورها الفنانة الوطنية الرائعة «سولاف فواخرجى» التى جعلته يغير لقبه من «المُؤَيَّد بالله» إلى «المعتمد على الله» تيمُّنا باسمها، ثم تحالفه مع حاكم المرابطين «يوسف بن تاشفين» لصد هجوم الملك ألفونس السادس، لكنه بعد انتصاره على الملك ألفونس تحالف معه كما فعل ملوك الطوائف خوفا من سلطان المرابطين، لكنهم خلعوه من الحكم ونفوه إلى المغرب، وقد بكينا ونحن نراه بعد ضياع ملكه، وهو وأسرته حفاة بملابس رثة، لكن بنفس عفيفة وكرامة ملوك.. وبكيت حال العرب فى تلك السنوات، وآلمنى الانهزام والانكسار وضياع الممالك، لتدور الأيام دورتها ونرى تلك المشاهد رؤى العين.. فقد رأينا زعماء أمتنا معذبين ومشردين وقتلى، ومنتهكة كرامتهم وأجسادهم، ورأينا وسمعنا عن قتل وتعذيب وتشريد أبنائهم ونسائهم.. لنعيد لأسماعنا الكلمات المأثورة التى قالتها أم آخر ملوك الأندلس لابنها وهو يبكى ضياع ملكه: «ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال».. وقد عادت تلك المشاهد أمام عينى منذ أيام وأنا أرى فى العديد من الفضائيات مقاطع على «اليوتيوب» مصورة فى إسبانيا، البلد الذى اشتهر بعروض «مصارعة الثيران» الذى ما زال فى أرجائها قصور وأماكن العرب أيام كنا!!.. لنشاهد مصارعة من نوع جديد «مصارعة الإنسان»، ولا أعرف هل هو نوع من الانتقام التاريخى!!.. فقد شاهدت مقطعا لشباب يجلسون فى أحد الكافيهات ويستمتعون بالأطعمة والمشروبات ويتلذذون بقذف النقود بشكل مهين فى عرض الطريق، لتتهافت السيدات السوريات وتتصارع عليها كى يستطعن توفير أدنى متطلبات الحياة لهن ولأسرهن بعد الخروج من ديارهن واللجوء إلى البلدان التى تدعى حماية الكرامة والحرية والدفاع عن حقوق الإنسان!!.. ومشاهد أخرى مهينة لأفراد من شرطة المجر وهم يقذفون الطعام فى الطريق العام بشكل عشوائى للاجئين.. تلك المشاهد المؤلمة كفيلة أن تسرق النوم والراحة من حياتنا.. فهؤلاء أهلنا، كيف نقبل لهم تلك الحياة؟!.. وكيف نستطيع أن نحميهم؟!.. ونحميهم من ماذا؟!.. هل من البؤس والجوع وإهدار الكرامة أم من الموت فى الطريق العام والطرقات وفى وسط البحار وعلى الشطآن؟!.. ولماذ نصر على قلة الحيلة فى علاج ما تعانيه أمتنا من مآس بيد الغرب؟.. فيا أهل العلم والثقافة والفنون والإعلام قوموا بدوركم قبل أن يلعنكم أولادكم.. فأنتم من ضيع تلك الأمة بالمواءمات والتغافل والأنانية وحب الذات.. ما زال ما تبقى من دول عربية يعانى من عربدة الجهلاء وصناعتهم للأزمات بتمويل من يريدون إسقاطنا فى بحر الهوان.. ولا أعرف كيف يعيش البعض بشكل طبيعى ويمارسون حياتهم باستمتاع وهم يرددون أنه لا خوف على مصر فهى محمية من الله!!.. وكأنها لم تسقط من قبل ولم تهن وتستنزف وتستعمر.. وإن سنوات التحرر والإحساس بالانتماء الوطنى والعروبى يكاد يطويه النسيان.. أتمنى من أهلى فى كل البلدان العربية أن يظلوا صامدين فى بلدانهم مهما تعرضوا لكوارث، فالموت على تراب الوطن كرامة وشهادة.. وهذا ما جعلنى أقتنص إحدى القصائد العامية التى كتبتها أمى الشاعرة «علا مكاوى» بعنوان «مكفيين فى الغربة متكفنين بالطل»:
يا ولاد العرب.. لعبوا بيكو الأعادى
فى عقولكم عطب.. خربتوا ديار بلادى
خليتوا بلادنا نار.. بالكدب والضلال
قالوا حكامكم حرامية.. حكامكم بلطجية
سرقوا منكم فلوسكم.. وقيدوا الحرية
ورثوا كراسيهم.. باعوا واشتروا فيكم
إزاى هتسيبوهم.. هِدوا الكون عليهم
احبسوهم، اسجنوهم.. اقتلوهم دمروهم
هَدوا بلادنا عليهم.. وعلى نفسهم قبليهم
■ ■ ■
يا ولاد العرب.. لعبوا بيكو الأعادى
فى عقولكم عطب.. خربتوا ديار بلادى
ملعون أبو حرية.. ضحكوا بيها عليهم
وخلق الله مرمية.. ولا مكان يتاويهم
هربانين من موت.. كلاب جايه تهبشهم
مكفيين فى الغربة.. يا ناس على وشوشهم
متكفنين بالطل.. والحيلة دواعشهم
جايين يبيدوا الكل.. ويقضوا على جيوشهم
سقطت ورقة توت.. عالم بينهشهم
يا ولاد العرب.. لعبوا بيكو الأعادى
فى عقولكم عطب.. خربتوا ديار بلادى
■ ■ ■
موتوا زى الشجر.. واقفين جوا الديار
الموت من غير وطن.. أكبر هوان وعار
ضاع اليمن وعراقنا.. سوريا الخير والعمار
يا خسارة أراضينا.. آثارنا ومبانينا
يا خسارة زتوننا.. نخيلنا وأهالينا
يا خسارة تاريخنا.. ياللى بنينا الحضارة
يا خسارة الأمان.. ألف ومليون خسارة
يا ولاد العرب.. لعبوا بيكو الأعادى
فى عقولكم عطب.. خربتوا ديار بلادى