السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

مذكرات كاتبة سويدية عن "عبدالناصر والسادات ومبارك"

تحولات القاهرة فى رواية «ثلاث سويديات»

رواية ثلاث سويديات
رواية ثلاث سويديات فى القاهرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءت رواية «ثلاث سويديات فى القاهرة»، التى ألفتها الباحثة السويدية «آن إيديلستام»، ونقلتها إلى العربية المترجمة مروة إبراهيم، لتلقى الضوء على قرن مضى، شهد العديد من التحولات الجذرية فى تاريخ مصر، وذلك عبر سيرة ثلاث نساء، هن المؤلفة ووالدتها وجدتها، فاستعرضت حياة القاهرة منذ كانت «مدينة أنيقة كوزموبوليتانية منفتحة على الآخر»، حسب ما كتب الدكتور بطرس بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة فى تقديمه للرواية، وحتى ما قبل صعود التيار الأصولى إلى الحكم.
«مصر دولة تتميز بالثنائية والتناقض.. أتمنى أن أقدم فكرة واضحة باستعراض شتى الجوانب المختلفة».
بأسلوب أقرب إلى اليوميات، تبدأ آن حكايتها، البالغة 597 صفحة فى نسختها العربية الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، منذ ولادة الجدة «هيلدا» فى عام 1889، ونشأتها التى بدأت بكارثة باحتراق منزلهم فى مدينة ساندس فال السويدية، ثم فقدان أبيها بعد ذلك، ونموها مع أمها حتى تصبح شابة، لتقع بعد ذلك فى حب «طورشتين» الشاب، الذى يفكر فى الزواج منها، لكنه ينتقل للعمل فى مصر كقاضٍ بالمحاكم المختلطة -التى كانت منتشـرة كإحدى مظاهر التدخل الأجنبى، ويصل إلى القاهرة لاستلام عمله، ثم تلحق به «هيلدا»، لتُصبح زوجة القاضى بالمحكمة المختلطة فى مدينة المنصورة؛ وسرعان ما يُرزقان بطفلة، وتسافر «هيلدا» إلى السويد لتضعها خوفًا من عدم رعايتها طبيًّا فى مصر، ثم تعود ثانية مع ابنتها «إنجريد»، وهى والدة آن والضلع الثانى فى الثلاثية.
«ابنة جميلة بصحة جيدة، أتت إنجريد إلى عالمنا فى اليوم الأول من ديسمبر ١٩٢٧، كل شيء على ما يرام».
تقضى «إنجريد» طفولتها وشبابها فى مصر، التى تصف فيها ابنتها مدى الرقى الذى شهدته البلاد فى ذلك الوقت، فعندما انتقلت مع والديها من المنصورة إلى شقة بالمنطقة الخضراء بجاردن سيتى بالقرب من النيل، وهو السكن الذى اختارته أمها، حيث السفارة الإنجليزية -التى كانت تحكم مصر فى ذلك الحين- وفى الوقت نفسه قريباً من المحكمة التى انتقل إليها زوجها، نقلت آن انبهار والدتها وجّديها عندما شاهدوا لأول مرة قصر عابدين، وأنهم لا يتخيلون وجود مثل هذا الترف فى السويد، «لم يجرؤ أحد على إعطاء الأوامر للملك الجديد، أدت عزلته، وانهدام ثقته بنفسه، إلى غرقه فى تمجيد الذات».
لم تعرف «إنجريد» طيلة شبابها وطنًا سوى مصر، إلا أنها تضطر للعودة إلى السويد بشكل نهائى فى أعقاب حرب فلسطين، قبيل اندلاع ثورة يوليو، بعد أن تم إغلاق المحاكم المختلطة، وتعرف باندلاع الثورة عبر خطاب من صديقتها «ليلى» التى حملت عداء كبيرا لثورة الجيش، وظلت لفترة تطمئن من هذه الخطابات، التى كانت «ليلى» تتجنب فيها الحديث عن رأيها بوضوح خوفاً من الرقابة على البريد، وكانت «إنجريد» متحمسة لمصر حتى إنها عندما كانت تقفز فرحاً كانت تقول بالعربية «الله أكبر»، وهو ما كان يُثير ضيق ابنتها آن مؤلفة الرواية، ولكن الأم كانت تكتفى بأن تخبرها أنها قد تفهمها إذا ما ذهبت إلى مصر، وتتابع «إنجريد» أخبار مصر، ووفاة الرئيس عبدالناصر، وتشييعه فى جنازة شعبية فاق عددها نصف سكان السويد فى ذلك الوقت، وترقبت من الأخبار العهد الجديد الذى خاضته مصر بقيادة الرئيس السادات، «من المعروف أن السادات له توجهات مختلفة عن عبدالناصر، حيث يريد أنور السادات أن يمنع الرقابة، وأن يشجع المناقشات السياسية، ويفتح مصر على السوق الأوروبية».
ثم تأتى لـ«إنجريد» مفاجأة سارة للغاية عندما يخبرها زوجها بأنه تم تعيينه سفيرًا للسويد فى القاهرة، وتعود مرة أخرى إلى وطنها الذى تعرفه بعد سنوات، وسرعان ما تلحق «آن» بوالديها، ويعيشون فى شقة بالزمالك تملكها عائلة بطرس غالى، لتنشأ علاقة عائلية بين السفير الجديد والديبلوماسى المصرى، الذى سيصير فيما بعد وزيراً للخارجية، ثم سيشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، ولم تكد «آن» تتعلق بمصر كما حدث لوالدتها وجدتها حتى بدأت التنقل بين ستوكهولم والقاهرة، «لم أكن واثقة مما سأجده بعد سنوات البعد الطويلة، فكرت فى الصدمة التى أُصيبت بها والدتى بعد عقود من الغياب، والفرق الشاسع الذى وجدته بين أيام الطفولة، والمراهقة الوردية، وبين ما آلت إليه الأمور، هل سأستطيع التعرف على القاهرة بعد سنوات الفراق؟ ماذا لو أصابنى الإحباط؟ أليس من الأجدر بى أن أحتفظ بالذكريات السعيدة دون العودة مرة أخرى».
عادت آن إلى القاهرة، ونقلت فى روايتها للقارئ كيف شاهدت مصر تهبط درجات السلم، بينما سيطرت عليها مجموعة من حزب واحد برعاية رئيس استمر على عرشه ثلاثين عاماً هو حسنى مبارك، لتنقل فى نهاية حكايتها ما آلت إليه أوضاع المصريين بعد أن استطاعوا زحزحة الرئيس الأسبق، ووأد أحلام ابنه فى تولى حكم البلاد.

بطرس غالى كتب لها المقدمة

آن إيديلستام: المجتمع المصرى الآن يشبه السويدي منذ 100 عام

«مسكينة المرأة التى تضطر أن تواجه مثل هذه المواقف كل يوم أثناء ذهابها إلى العمل».. بتلك البساطة والبراءة عبرت الكاتبة السويدية آن إيديلستام، وهى باحثة اجتماعية سويدية فى علم الأجناس البشرية عن واقعة التحرش التى تعرضت لها فى مترو الأنفاق فى القاهرة، غير أنها أكدت فى حديثها معنا أنها كغربية لا تخشى السير أو الحياة فى شوارع القاهرة، فهى كانت طالبة بالجامعة الأمريكية وعاشت فى هذه الشوارع لسنوات.

تذكر «إيديلستام» واقعة التحرش التى تعرضت لها، وتذكر كذلك الرجل الغريب الذى أنقذها، وتقول «زرت القاهرة أكثر من مرة»، وتشرح كيف أنها أصبحت تكن لها عشقًا من نوع خاص وهى فى هذا تُشبه «كفافيس» الذى كانت الإسكندرية بالنسبة له هى الفتاة التى يعشقها دومًا، والتى لن يتركها أبدًا؛ ولم يمنع عشق «آن» لمصر من رصد بعض مساوئ المجتمع، فهى تحدثت عن رحلتها إلى أسوان مع والدتها ونقاط التفتيش العديدة التى واجهتها «استطاعت والدتى أن تنقذنا من الوقوف لساعات طويلة فى نقاط التفتيش، تمامًا كما فعلت منذ سنوات، بدفع بعض المال؛ كذلك وصفت تجربة القيادة فى القاهرة بأنها مختلفة تمامًا عن ستوكهولم، فعندما قادت سيارتها الأولى فى القاهرة «أدركت أن العلامات والإشارات الحمراء مجرد ديكور».

تنتمى آن إيديلستام، وهى باحثة اجتماعية سويدية فى علم الأجناس البشرية، إلى العالم الأكاديمى، حيث قضت وقتًا طويلًا من حياتها مؤرخة إسلامية، أضافت إليها الكتابة الصحفية، تتحدث السويدية، والفرنسية، والإنجليزية، إضافة إلى لغة الصم والبكم، وقليل من العربية من عينة «يا خبيبى» لم تكن تكفى لحوار حول روايتها الأولى «ثلاث سويديات فى القاهرة»، والتى جاءت إلى القاهرة لتحتفل بتوقيع نسختها العربية؛ ربما كذلك لإلقاء نظرة على المدينة التى وقعت فى غرامها جدتها «هيلدا»، وعادت إليها أمها كزوجة للسفير السويدى بالقاهرة، وجمعت هى هذه الحكايات التاريخية كأكاديمى يهتم بعمله؛ وبنت روايتها على قصة حقيقية، عاشت جزءًا منها بكامل تفاصيلها، بينما حاولت فيها أن تقدم من خلالها تفسيرًا للأجيال الجديدة من «الشباب الغربى»، حسب قولها، التى تريد أن تفهم طبيعة ما يحدث فى مصر، لتسرد المؤلفة بأسلوبٍ بسيط، قصة ثلاث سويديات، يمثلن ثلاثة أجيال مختلفة؛ ساقهن القدر للحياة فى مصر، ومن خلالهن، ترصد - كباحثة قبل أن تكون روائية - التحولات الحادة التى شهدها المجتمع المصرى منذ عشرينيات القرن العشرين، وحتى اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، مع عرض تخوفات ما بعد هذه الثورة.

كباحثة تهتم بالتوضيح والمصطلحات، كانت أولى كلمات «آن» هى أن الكتاب الذى بين يديَّ هو نسخة مترجمة عن الرواية المكتوبة بالإنجليزية، وأنه لا نسخة سويدية للعمل؛ وإن ما كتبته عن مصر بالسويدية هو أقرب إلى الكتب العلمية، أو ورقة بحث جاءت بها من حكايات الجدة، بينما قررت أن تكتب الحكاية روائيًا بالإنجليزية «حتى يمكن للكثيرين قراءتها».

مع أولى صفحات الرواية، تجد أن من كتب المقدمة هو الدكتور بطرس بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، والذى رحل عن عالمنا فبراير الماضى، تحدثت «آن» عن المصادفة التى جعلته جارًا لهم بالزمالك لعدة أعوام «بطرس غالى صديق لأبى، وتربطنا عائليًا علاقة صداقة ممتدة، بدأت عندما جاء والدى إلى القاهرة واستقر به المقام بحى الزمالك، الذى لم يكن مكتمل البناء كما هو الآن، كانت العائلتان تعيشان فى شقتين متجاورتين وتربينا معًا كعائلة واحدة؛ كما أن الرجل ساعدنى كثيرًا أثناء إتمام دراستى العليا، ورسالة الماجستير، وكان دائمًا يقدم لى نصائح جيدة»، وأشارت إلى اهتمامه بالكتاب وتحمسه لكتابة مقدمته.

على قدر اهتمامها بانتشار روايتها لم تتحمس الكاتبة السويدية أن تتابع رد الفعل حولها، تبدو وكأنها كتبتها من أجل إبقاء الحكاية بعيدًا عن «ألعاب الذاكرة» كما أسمتها أثناء الحديث، فقط اكتفت بالحديث مع بعض العاملين بالمكتبات التى تعرض روايتها؛ وهى رغم كل ما كتبته، إلا أنها لا تعرف شيئًا عن الأدب العربى الحديث باستثناء أعمال أديب نوبل نجيب محفوظ، والكاتبة المصرية الأكثر شهرة فى الغرب نوال السعداوى، وعلاء الأسوانى.

ما بين جدتها التى جاءت إلى مصر كزوجة لأحد قضاة المحاكم المختلطة، وأمها التى عادت إليها كزوجة الدبلوماسى الأرفع لوطنها فى القاهرة، أصرت «آن» على أن روايتها الملحقة بألبوم صور العائلة هى فقط سرد تاريخى لهذه العائلة مبنى على خلفية سياسية.

من هنا كان حديث الأكاديمية التى صنعت روايتها الأولى عن عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى لم تعرف عنه الكثير، فقط ذكرت الرؤية الغربية عن الرجل، وأن عهده شهد مغادرة وترحيل العديد من الأجانب خارج البلاد، وأن صديقة أمها فى خطاباتها لم تستطع الكتابة بحرية، لأن الرقابة فى ذلك الوقت كانت تشمل البريد والبرقيات، ونقلت على لسان والدها قوله عندما علم بخبر وفاته «ربما ستعود الديمقراطية إلى مصر الآن»، لكنها فى الوقت نفسه لم تنس الجنازة الشعبية الضخمة التى شيّع فيها المصريون الزعيم الراحل «جلست مع أبى وأمى وأخى نشاهد مراسم الجنازة التى بثتها القناة السويدية المحلية، قال والدى تعليقًا على عدد المشيعين إن خمسة ملايين مواطن، هذا أكثر من نصف تعداد سكان السويد».

وأوضحت «آن» أنه بعد كل التحولات التى طرأت على المجتمع المصرى فهو الآن يشبه المجتمع السويدى منذ مائة عام.