الخميس 14 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

التمهيد الإعلامي لصناعة الأزمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلنا يعرف حقيقة وطبيعة الدور الذى لعبه الإعلام وعززته الصحافة ضمن مؤامرة هدم مؤسسات الدولة فى السنوات التى سبقت عملية يناير ٢٠١١.
وقد تبلور ذلك الدور فى تصنيع حالة احتقان وتذمر عامة، وتشويه الرموز الوطنية والسياسية الموجودة ضمن جوقة الحكم فى البلاد، واستهداف بعض مؤسسات البلاد، وبالذات الإعلام القومى ثم الداخلية لحرمان النظام مما يسمى أدوات الضبط المادى للسلطة أو على الأقل اثنتان منهما لهما كل ذلك القدر من الأهمية والأرجحية.
وربما ساعد تنفيذ ذلك المخطط تصور خاطئ لدى الدولة المصرية يقول بأن فى إمكانه السيطرة على وسائل الإعلام الخاصة التى تمتلكها طبقة رجال الأعمال (أو طليعتها) التى تربت فى أحضان وتحت رعاية النظام.
إلا أن ولاءات رجال الأعمال من ملاك الجرائد والفضائيات والمواقع الإلكترونية كانت لأهداف سادتهم وراء البحار المتمثلة فى الشركات متعددة الجنسيات ذات الصلة بهم.
والمعروف أن الشركات متعددة الجنسيات عادة ما تكون واجهات لمؤسسات سياسية ومخابراتية، لا بل درج المراقبون على اعتبار مؤتمر «دافوس» الذى تلتئم فيه مثل تلك الشركات هو بمثابة: (مجلس إدارة العالم)، وفى لحظة بعينها توافقت إرادة عدة بلاد على استهداف منطقة الشرق الأوسط وإطلاق ما يسمى بثورات الربيع العربى فيها على غرار ربيع براج والثورات الملونة فى دول أوروبا الشرقية قبيل سقوط الاتحاد السوفييتى. وكانت مصر على قمة ذلك الاستهداف، وصيغت الخطط، وتدرب المتدربون فى كل أصقاع الأرض، ورُصدت التمويلات وبدأ تنفيذ المؤامرة، وكانت الصحافة، كما كان الإعلام، إحدى أدواتها الرئيسية التى تمهد الأجواء وتدشن استثمارا سياسيا ومخابراتيا فى الفوضى، إذا جاز ذلك التعبير.
اليوم هناك موجة جديدة من المؤامرة على مصر تتبع سيناريو شبيها ولكنه أكثر إحكاما، وهو يقوم على عدد من العناصر، نلاحظ جميعا حجم المساندة والدعم الذى تتلقاه أجهزة الإعلام بشقيها سواء المقروء أو المبثوث.
وأجمل هذه العناصر فيما يلى:
أولا: (أزمة توزيع) متمثلة فى عدم قدرة النظام على الوفاء باحتياجات الناس وفقا لإمكاناته الحالية، وهو ما يستغله الإعلام (بشقيه الخاص والعام) باعتبار أن الإعلام القومى مخترق من الإخوان و٦ إبريل، وأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون يفتقد أداة التوجيه السياسى، فلا يعرف أحد (قانونا) من هو الشخص أو ما الجهة التى تقوم بتوجيه عصام الأمير سياسيا، وهكذا- بالقطع- بصرف النظر من مدى ونوع الكفاءة التى يتمتع بها، وقد حدثت فى عهده مجموعة من الوقائع التى تعتبر خروقات مروعة وغير مسبوقة.
على أية حال، فإن أجهزة الإعلام والصحف سواء القومية أو الخاصة أسهمت فى رعاية وصون وتجديد ثقافة الاحتجاج فى مصر تطبيقا للقانون المعروف فى العلوم السياسية: (الحرمان الاقتصادى يؤدى إلى عدم الاستقرار السياسي)، ولما كان هدف المؤامرة على مصر هو هدم مؤسسات الدولة، فذلك لن يكون إلا عبر إشاعة حالة من عدم الاستقرار السياسى وانعدام الرضا عن طريقة توزيع النظام فى القيم والأهداف.
ثانيا: (أزمة هشاشة الهياكل السياسية) ونطرح فى هذا الإطار البرلمان والأحزاب السياسية وحتى مؤسسات المجتمع المدنى المضطلعة بدور سياسى، ونلاحظ أن البرلمان والأحزاب السياسية وائتلافاتها وتياراتها كانت- جميعا- هدفا لهجوم واسع من الإعلام يستهدف إفقاد تلك المؤسسات لأى ظهير شعبى يمكن أن يسندها أو يتحلق حولها.
وبرز دور الإعلام تجاه تلك المؤسسات فى الترويج لفكرة (أن الأحزاب تفتقد إلى أى وجود فى الشارع) أو أن (رجال الأعمال سيسيطرون على البرلمان) أو (البرلمان سيتحول إلى ساحة سيرك سياسي) إلى آخر ذلك من المرتكزات الإعلامية التى خبرناها فى المرحلة الأخيرة.
ثالثا: (غياب أدوات الضبط المادى للسلطة)، والمعروف أن تلك الأدوات تشمل الجيش والشرطة والمخابرات والإعلام والحزب الرئيسى، وقد استهدفت الموجة الأولى للمؤامرة عام ٢٠١١ تلك المؤسسات جميعها، ولكنها لم تحقق نتائج كاسحة شاملة إلا فى مؤسستين بالذات- كما قلت- وهى: (الإعلام) و(الشرطة)، وما زالت المؤسستان هما المستهدفتين فى الموجة الثانية من المؤامرة التى بدأت بعد افتتاح قناة السويس الثانية مباشرة، إذ تم وبشكل منهجى التصعيد من جديد ضد مؤسسة الشرطة عن طريق تنميطها عبر التركيز الإعلامى حول بعض من أخطاء الممارسة فى سلوك بعض الأفراد، أو عن طريق إثارة أسباب الصراع بينها وجهات مدنية بأكملها، مثل ما حدث مع نقابة الأطباء، أو خلق أسباب للصدام مع المجتمع كله مثل ما حدث فى حالة الصدام مع المواطنين فى باب الشعرية أو تثوير حالة الحنق داخل مؤسسة الشرطة نفسها، مثل ما جرى ضد ما يُسمى: ائتلاف أمناء الشرطة.
أما الإعلام فقد تم تدمير الإعلام والصحافة القومية بزرع كمية كبيرة من العملاء داخلها وتولية قيادات قليلة الكفاءة والقيمة عليهم، ورسم صورة ذهنية عنهم لدى الناس بوصفهم مؤسسات عاجزة وفاشلة.
وبالنسبة للصحافة الخاصة والإعلام الخاص، فهما يواصلان دورهما التخريبى، ولكن مع فارق يفصل بين حالتيهما وما جرى إبان عملية يناير ٢٠١١، وهو وجود روادع تمثل حضور الدولة، وهو ما لم يعد- بكل أسف- موجودا الآن.