خرج وزير الداخلية، مجدى عبدالغفار، ليعلن بثبات أن من بين قتلة النائب العام أعضاء ينتمون إلى حركة حماس.. حدد أسماءهم وأدوارهم.. وبعد أيام يزور وفد من حماس مصر، ويتم استقباله بحفاوة، دون أن تقترب الصحف المصرية من الزيارة، ولم تنشر خبرًا واحدًا عنها أو عن مقاصدها، رغم أن المواقع التابعة لحماس كشفت تفاصيلها كاملة.
موسى أبومرزوق، نائب رئيس المكتب السياسى لحماس، أحد أعضاء الوفد، الذى زار القاهرة، يدلى بتصريح إلى موقع الأهرام الإلكتروني، هذا نصه: «أبومرزوق لبوابة الأهرام: زيارة حماس تفتح مرحلة جديدة مع مصر»، وعندما تفتح رابط الخبر لتقرأه ستصل لك رسالة واضحة: «عفوًا هذا المحتوى غير متاح حاليًا»، فمن سمح لأبومرزوق أن يتحدث من الأساس؟ ثم من أمر برفع الخبر من على الموقع.
أعرف أن كل شيء فى السياسة مباح ومتاح ومستباح، وأعرف أن العلاقات لا ثبات فيها على الإطلاق، فصديق اليوم خصم الغد، وحليف الأمس عدو اليوم، لكن أن تكون أنت نفسك خصمًا وحليفًا فى الوقت نفسه، فهذا هو الجديد تمامًا، إذ كيف يمكن أن نستوعب أن تكون حماس متهمة باغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، وفى الوقت نفسه يقوم قادتها بزيارة القاهرة، تحت ظلال ما يتردد عن فتح آفاق جديدة من علاقات الصداقة والتفاهم والتقارب.
قد يكون لدى الأجهزة السيادية كل الحق فى أن تفعل ما تراه صالحًا ومناسبًا للحفاظ على الأمن القومى المصرى، لا معارضة ولا اعتراض على ذلك مطلقًا، لكن من حقنا أن نعرف أيضًا ما يدور خلف الأبواب المغلقة، خاصة أن العالم الآن لا يعرف شيئا اسمه الأبواب المغلقة، فكل شيء على الهواء مباشرة.
صحيفة مصرية زميلة خرجت بعنوان رئيس على صفحتها الأولى صباح زيارة حماس إلى القاهرة، تؤكد من خلاله أنه لا وفد لحماس فى مصر اليوم، لم تنطق الصحيفة من وحى خيالها، ولم تنف من تلقاء نفسها، بل كان هناك مصدر، أغلب الظن أنه معتبر، قال لها إن حماس لن تأتي، فهل هناك من يريد تضليل الرأى العام؟.
لن أتمسك باتهامى لمن سرب هذا الخبر، ولا لمن أبدى رغبته فى عدم نشر أى أخبار أو معلومات عن زيارة وفد حماس إلى القاهرة، ولكنى سأتمسك بما أرى أنه صحيح، وهو أن هناك فى الأجهزة المصرية من يعتبر الإعلام خصمًا له، رغم أن الواقع يقول إنه شريك، يمتلك نفس الحرص على الأمن القومى المصري، ويعمل من أجل تعزيزه.
والسؤال: لماذا يخشى المسئولون الكبار من الإعلام المصري؟ وهى الخشية التى تجعلهم يتركونه أسيرًا لنقص المعلومات التى تحجب عمدًا، فتظهر تحليلاته متناقضة ومضطربة ومرتبكة، ثم يأتى من يلقى اللوم على هذا الإعلام بأنه لا يقوم بدوره، أو يعطل المسيرة، ويطالبون بتطهيره، وهو التطهير الذى ليس مقصودًا منه إلا أن يكوم تابعًا مطيعًا، لا يخرج من الخط مطلقًا، يسمع الكلام ويشرب اللبن ويغسل قدميه قبل النوم حتى لا تطارده الكوابيس، أو يجدها وجهًا لوجه قبل أن ينام. والسؤال الأهم: هل يعرف المسئولون فى الأجهزة أن الإعلام خرج بالفعل من بيت الطاعة، ولن يعود إليه مرة أخرى، وما يريدوننا ألا ننشره نحن، يسارع الآخرون إلى نشره، وهو ما يجعل إعلامك متخلفًا يتهمه الآخرون - وأنت أيضا - بعدم المهنية.
فى العلاقة بين النظام والإعلام فى مصر، هناك مساحات هائلة غامضة ومريبة. تجعل الفهم أمرًا عسيرًا، وهو ما سيستمر طويلًا فيما أعتقد، على الأقل حتى يقتنع النظام أننا لسنا فى خصومة.. بل نحن شركاؤه فى تجربة ومستقبل ومصير، أتمنى ألا يكون سيئا.