من أفضل خصائص السينما الأمريكية التى لا تكاد توجد فى أى سينما أخرى، الواقعية والدقة فى التفاصيل عندما يتعلق الأمر بالمهن المختلفة، سواء كانت الطب أو الاقتصاد أو الطبخ أو تذوق أنواع النبيذ كما نجد فى فيلم «طرق فرعية» إخراج ألكسندر بين عام ٢٠٠٤، على سبيل المثال.
ومن المهن التى تناولتها السينما الأمريكية فى العديد من الأفلام القديمة والحديثة الصحافة والتليفزيون، كما نجد فى فيلمى «كل رجال الرئيس» و«الشبكة»، وكلاهما من إنتاج ١٩٧٦، الأول نموذج فى تصوير عالم الصحافة، والثانى فى تصوير عالم التليفزيون وخاصة برامج «التوك شو»، وكلاهما درسان لا غنى عن مشاهدتهما لأى شخص يعمل فى الإعلام، أو فى السينما.
أحدث مثال قدمته هوليوود من هذا النوع هو فيلم «سبوتلايت»، أو «دائرة الضوء»، الفائز بجائزتى الأوسكار كأفضل فيلم وأفضل سيناريو منذ أسابيع، والذي لأسباب متوقعة، لم يعرض فى مصر حتى الآن، ولكنه متوفر بسهولة على الإنترنت.
«سبوتلايت» الذى أخرجه وشارك فى كتابته توم ماكارثى وشارك فى تمثيله عدد من كبار ممثلى هوليوود، مثل مايكل كيتون، مارك رافالو، وريتشل ماك آدامز، وليف شرايبر، يغرى بالكتابة عنه من عدة وجوه، آخرها السينما، بالرغم من أنه أيضا عمل سينمائى عظيم.
أول ما يلفت النظر فى «سبوتلايت» أنه يتناول أحداثا واقعية كانت ولم تزل، تثير جدلا واسعا فى الولايات المتحدة والعالم، وكانت حديث وسائل الإعلام لسنوات.
يتلخص موضوع الفيلم فى قيام قسم «التحقيقات الاستقصائية» فى صحيفة «بوسطون جلوب» التى تصدر فى مدينة بوسطون بولاية ماساتشوسيتس الأمريكية، بنشر سلسلة من التحقيقات حول قيام عدد من قساوسة الكنيسة الكاثوليكية بالاعتداء الجنسي، والتحرش بأطفال، ويصور الفيلم رحلة الحملة الصحفية منذ أن ولدت فى أذهان فريق عمل الصحيفة، وحتى وصولها مطبوعة إلى القراء.
مبدئيا استغرق إعداد التحقيق ما يزيد على عام، شارك فيه فريق متخصص متفرغ تماما يتكون من أربعة صحفيين يضمهم القسم الذى يحمل اسم «سبوتلايت»، توزعت جهودهم بين الحصول على الأوراق الرسمية للقضايا التى تم رفعها من قبل بعض الضحايا، والحديث مع المشاركين فى هذه الدعاوى من محامين وقانونيين وممثلى الكنيسة، وكذلك العثور على أكبر عدد من الضحايا والحديث إليهم.
يعرض ويكثف الفيلم عمل هؤلاء الصحفيين والمتاعب والضغوط والمعوقات التى تعرضوا لها لمنعهم من أداء عملهم، كما يشدد على التفاصيل المهنية المهمة، مثل ضرورة الاعتماد على المستندات والوثائق، وإجراءات الحصول عليها قانونيا، وكيفية التعامل مع المصادر.. وهو عرض يغنى عن محاضرات عام كامل فى كلية الإعلام!