الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدلية العلاقة بين الإخوان المسلمين وداعش (4)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن حصر العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" في مجرد مواقف سياسية أو تأييد على سياسات أو تقصير في مجرد شجب العمليات العسكرية، ولا حتى في التنسيق بين هذا التنظيم الإرهابي والجماعة عندما كانت الأخيرة في السلطة التي قفز الإخوان على رأسها.
مناهج الإخوان التربوية إحدى الدلالات المهمة على وجود العلاقة وشكلها حتى بات لدى المتخصصين والمراقبين أن الجماعة أصبحت مفرخا للتنظيمات المتطرفة في مقدمتهم "داعش".
نعرض بعضًا من المناهج التربوية للإخوان التي تؤكد وجود علاقة عضوية وتنظيمية وفكرية بين كلتا الحركتين، في مقدمة ذلك تدريس كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية لصاحبة المرحوم، منير محمد الغضبان، مراقب الجماعة الأسبق بسوريا، كان يُدرس هذا الكتاب للمراحل التربوية، منتسب ومنتظم، وهاتان المرحلتان يأتيان بعد مبايعة العضو للتنظيم بعد أن يتلقيا قسطًا من التربية، ويليان مرحلة، محب ومنتظم، وعلى كل الأحوال تم تدريس الكتاب لأعضاء الجماعة في بدايات العلاقة التنظيمية لأفراد الصف الإخواني، ومن خطورة ما تركه تدريس هذا الكتاب على النشء أنه وصف من مارسوا العنف بأنهم جزء من قيادات الحركة الإسلامية وكأنه اعتراف ضمني بأفكار هؤلاء.
سمى الغضبان في كتابه سالف الذكر، تنفيذ حكم الإعدام على، شكري مصطفى، زعيم تنظيم جماعة المسلمين والتي عُرفت باسم التكفير والهجرة بأنه كان مجزرة في حق المعارضة الإسلامية في مصر، كما سمى تنفيذ حكم الإعدام على خمسة من تنظيم الفنية العسكرية بالمجزرة أيضاً، وكأنه يقر أفكار هؤلاء ويدافع عنهم معتبرًا ما حدث لهم بأنه مجزرة ولعل الاستشهاد يكون أوضح بالنقل.
ولعل، شكري مصطفى، ذاته تراجع عن أفكاره حسب رواية بعض تلامذته الذين نقلوا عنه عندما أقدم على تنفيذ حكم الإعدام فقال لأتباعه وهو كان يظن أنه على الحق، وأنه سوف يفلت من تنفيذ الحكم، متخيلًا أنه ما دام على الحق فالله كفيله وأن الحكم لن ينفذ عليه، تراجع عن أفكاره قبل تنفيذ الحكم ونظر لأصحابه قائلاً: "راجعوا أنفسكم على ما أنتم عليه".
يقول الغضبان في كتابه الذي يُدرس لأعضاء الجماعة: ولهذا نرى المحاولات البائسة التي يقوم بها أعداء الإسلام لإنهاء الحركة الإسلامية عن طريق قتل قياداتها إعدامًا أو اغتيالًا، والذي يلحظ الحاكمين وهم يواجهون الحركة الإسلامية رغم اختلاف مشاربهم ونوازعهم يلتقون جميعًا على قتل هذه القيادات؛ ففي مصر مثلًا، كان اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا هو الهدف الرئيسي الذي لا ترضى انجلترا بدونه بديلًا، وقد التقى هدفها مع هدف الملك فاروق في ذلك، وحين قامت الثورة المصرية كانت ترى في هذا الاغتيال ظلمًا كبيرًا حتى إنها شكلت محكمة لمحاكمة قتلة الإمام الشهيد غير أنها عندما رأت قوة الحركة الإسلامية سلكت الطريق نفسه الذي سلكه قبلها فاروق، فأقدمت على إعدام الدفعة الأولى للإخوان المسلمين والمكونة من ستة من قادة هذه الجماعة وعلى رأسهم، عبدالقادر عوده، ومحمد فرغلي، ويوسف طلعت، ورغم مرور عشر سنوات على هذه المجزرة كان سيد قطب، رحمه الله، من البقية الباقية من القيادة المفكرة للجماعة، ومنذ أن رأى الحاكم الطاغية القوة الفكرية تجتاح الأرض المصرية، كان الاتحاد السوفيتي هو الذي يُصر هذه المرة على إعدامه وسط استياء العالم الإسلامي لذلك، لم يتراجع الطاغية عن موقفه ولم يرض غير الإعدام له مع زملائه، وجاء من خلفه يدعي الديمقراطية وإعادة الحرية وعامل كل زعماء المعارضة بالسجن عنده حين رأى خطرهم، أما المعارضة الإسلامية فلم يكن من حل لها عنده إلا الإعدام وقد أقدم على مجزرتين في عهده.
الأولى: إعدام خمسة ممن اتهموا بحادثة الكلية الفنية، وكان يقصد الكلية الفنية العسكرية.
الثانية: إعدام مجموعة شكري مصطفى وإخوانه.
ولم يشهد عهد الحكام المتعاقبين إعداماً إلا لقادة الاتجاه الإسلامي.
انتهى الاقتباس من كتاب المنهج الحركي الذي قامت جماعة الإخوان المسلمين بتدريسه لأبنائها في أسر الجماعة المخصصة لتربية أعضائها، وتمثل همزة الوصل بين قيادات التنظيم وأعضائه، على مدار الفترة من 2005 إلى 2010 والتي كانت ترى فيها الجماعة أنها مرحلة ابتلاء، وبالتالي كان يستلزم معها تدريس كل ما يدعم فكرة الاستمساك بالمشروع الإسلامي الذي يعاني من اضطهاد وحرب، وزرع لدى نفوس أبنائها الاضطهاد، ولأن الغضبان كان يعمل في قسم التربية بالجماعة، فقد كان يلمس ما تحتاجه الشخصية الإخوانية على مدار مراحل التكوين.
فالجماعة لم ترفض ما جاء في الكتاب بل إنها قامت بتدريس ما فيه للنشء الصغير، ولا أدري كيف تقوم بتدريس مادة كتاب تتغزل في قادة العنف وجماعات التكفير، ثم تدعي أنها تحارب العنف!
ومما يُأخذ على الكتاب والجماعة في ذات الوقت، أنه كان شموليا في الوصف والعرض؛ فقد وصف قتل، شكري مصطفى، زعيم تنظيم التكفير والهجرة وأتباعه بأنه كان بهدف القضاء على المشروع الإسلامي!
والخطأ ليس فيما كتبه الغضبان، وهو أحد قادة التنظيم الدولي للإخوان؛ فقد كان يفتقر إلى التصنيف الواضح والمميز للإخوان عن غيرهم من الحركات الإسلامية الأخرى، فقد كان غريبًا عن مصر وأجنبيًا، ولم يدرس البيئة المصرية فهو سوري ينتمي إلى بلاد الشام، تأثر كثيرًا بما حدث في سوريا من مجازر للإخوان على يد حافظ الأسد؛ وإنما فيمن أقروا مثل هذا الكتاب كمنهج للتربية وتركوا هذه العبارات تتسلل إلى الفكر الشبابي وتخترق عقولهم وربما تكون سببًا في اتجاه بعضهم للعنف فيما بعد أو انتمائهم لتنظيمات أخرى تكفيرية.
وكان يجب على الجماعة إعلان رفضها لبعض ما ورد في مادة الكتاب وعدم السكوت عنها، كما كان يجب على الجماعة إعلان اختلافها مع بعض أفكار سيد قطب وعدم الاكتفاء بقولها: إنه كان أديبًا وأفكاره فهمت خطاءً حتى تعطي مبررًا لإعادة قراءتها مرة ثانية سواء من قبل أعضاء الجماعة أو التنظيمات الأخرى، كان يجب على التنظيم أن يخرج بأوراق يُعلن فيها تبرؤوه من أفكار بعض قياداته حتى يحافظ على التنظيم الأكبر من السقوط في بئر العنف على المدى البعيد، ولكن القراءة المتأنية للتنظيم على مدار نشأته التي تجاوزت الثماني والثمانين عامًا تؤكد أن دعوة هؤلاء لم تكن غريبة عن الفكرة الأساسية التي دعت لها الجماعة في سنوات نشأتها الأولى.. وللحديث بقية.