لم يكن التلاسن الاخير بين الخارجية
المصرية والبرلمان الاوروبى الاول من نوعه ، بل سبقه عده مواجهات على ارضية حقوق
الانسان ، فقرار البرلمان يتجاهل متعمدا ما تقدمه له الخارجية من معلومات ويعتمد
فقط على بيانات صادرة عن ثلاث مؤسسات حقوقية مصرية ،هى مركز القاهرة لدراسات حقوق
الانسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية و المفوضية المصرية للحقوق والحريات ،
فهذه المنظمات ورؤسائها من المعارضين للنظام ونافذين فى المجتمع المدنى الاوروبى ،
وما يتفقوا عليه فى القاهرة يقره اعضاء البرلمان دون فحص أو مراجعة .
لم تفلح بيانات الشجب والاستنكار المصاحبة
لكل قرار فى وقف ما يقوم به هذا البرلمان من تشويه لمصر وتنميط لصورتها فى قالب
الدولة القمعية ، وحتى اللقاءات البرلمانية بين نواب اوروبا والنواب المصريين لم
تنجح فى تغيير تلك التصرفات غير المفهومة .
لا خيارات امام مصر ، سوى مراجعة اتفاقيات
الشراكة الاوروبية ، التى سمحت بهذا التدخل المتكرر والسافر ، وأتوقع ان تحذوا
حذوها دول اخرى فى المنطقة ممن نالتهم تلك القرارات الغشمية ، وبحسب تصريحات
للنائب تامر الشهاوى، عضو مجلس النواب عن دائرة مدينة نصر، سيقوم البرلمان بمراجعة
اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التى وقعت عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ عام 2004
وتدخل التنفيذ الكلى الملزم فى يونيو 2016، لافتا الى وجود عدد متزايد من النواب
الغاضبين والراغبين فى مراجعة بنود الاتفاقية المجحفة فى حقوق مصر السياسية و الاقتصادية
، وبذلك تعود الاتفاقية الى حيز النقاش والتجاذب بين الدبلوماسية المصرية
والاوروبية مما يعطل تطبيق بنودها وخاصة ما يتعلق بحقوق الانسان .
فى الحقيقه لم تربح مصر كثيرا من
تطبيق الاتفاقية على المستوى الاقتصادى ، بل عاقبتها اوروبا مرات ومرات واخرها
تحذيرات السفر التى ضربت السياحة المصرية فى مقتل ، كما حاولت مرارا التدخل فى
شئوننا الداخلية بما هدد السيادة الوطنية ، وعبرت الدبلوماسية المصرية من استيائها
من التعالى الاوروبى فى التعامل مع مصر ، ورفض ضغوطها المستمرة ، بل وحاولت مصر
كثيرا الاشارة الى سياسه الكيل بمكيالين ، والانتقاء ، وتسيس حالة حقوق الانسان
رغم تدهورها فى اوروبا أيضا .
أبرز دليل على ذلك تجاهل البرلمان
الاوروبى لمأساة المهاجرين من مناطق النزاعات واخطرها ما نشرتة صحيفة ليبراسيون
الفرنسية نقلا عن تقرير لمنظمة "ميتادارس" رصد فقدان 10 الاف طفل مهاجر
عقب وصولهم لشواطىء اليونان من الساحل التركى خلال العام الماضى ، حيث عثر على جثثهم
مشنوقه على الاشجار ، بعدما نزعت عصابات الاعضاء البشرية احشائهم وتركت ما تبقى
منهم للكلاب على الارض الاوروبية ، ومر الامر دون تحقيق .
وهناك أيضا ملف المواطنين المصريين
والعرب المختفين فى اوروبا واخرهم الطباخ المصرى عادل معوض المختفى منذ 5 أشهر عقب خلافات مع صاحبة العمل التى هددته بترك عمله ورفضت إعطائه مستحقاته
المالية، وحينما لجأ للقضاء الايطالى لتقديم شكوى ضدها ، وحددت المحكمة جلسة 6
أكتوبر لنظر شكواه ، اختفى قبل موعد الجلسة بـ 48 ساعة فى ظروف غامضة ولم تقم
الحكومة الايطالية ببذل اى مجهود للبحث عنه او اجلاء مصيره .
اضف لملف الممنوع من النقاش داخل
البرلمان مسالة اخرى وهى صعود اليمين الفاشى الرافض لسياسات الهجرة والكاره للعرب
والمسلمين وصمت اللسان الاوروبى عن دعوه هؤلاء الى المصالحة والتعايش مع مواطنيهم
العرب والمسلمين مثلما يطالب مصر .
ما سبق ليس نوعا من المكايدة السياسية
ولا هو تعالى أوتكبر على المؤسسة الاوروبية العريقة ، ولكنه محاولة لنقاش هادىء معهم
، خاصة وان مصر تحاول اصلاح علاقتها
بأوروبا وفتح افاق التعاون والاستثمار امامها ، لكن ما يقوم به البرلمان الاوروبى يفسد
ذلك ، ويروى أشجار الشك بين الطرفين ، فمنذ 25 يناير وبعدها كانت تصرفات البرلمان
تكاد تتطابق مع الخطة الامريكية التى سعت
الى تثبيت حكم الاخوان فى مصر و اعتبرت الاخوان الفصيل السياسى الوحيد القادر على
وراثة الانظمة السابقة وحينما قامت ثورة 30 يونيو على حكم الاخوان ناصبتها هذه
المؤسسات العداء دون محاولة لفهم حقيقه ما جرى .
تصريحات مارتن شولز، رئيس البرلمان
الأوروبى الحالى ، تؤكد ذلك ، فلقد كان من كبار داعمى الجماعة فى اوروبا حتى انه
فى حوار لصحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية نشر عقب نجاح الاخوان فى برلمان
2011، قال بالحرف الواحد أنه يجب على أوروبا
ألا تفوت الفرصة التاريخية للاقتراب مع الإسلاميين فى مصر، بعد حصولهم على أغلبية
الأصوات فى البرلمان ، وحال صعودهم للحكم مؤكدا أن الإسلاميين هم الوحيدون الذين
يقدمون الحلول للشعب فى الميدان، مثل جماعة "الإخوان المسلمين" فى مصر
وغيرهم فهم يقتربون من الشارع المصرى ومشاكله، وبالتالى لا ينبغى على أوروبا أو
إسرائيل أو أى دولة بالعالم أن تتعجب لحصولهم على أعلى الأصوات فى الانتخابات .
علاقة شولز بالاخوان تتقارب كثيرا مع
نمط العلاقة الوطيده التى تربط الرئيس الامريكى الاسبق جيمى كارتر والحالى اوباما بالاخوان
و التى اتضحت خلال مواقفهم الداعمة للجماعة الارهابية فى مواجهة الدولة المصرية
والدليل على ذلك التعامى المتعمد عن ما تتعرض له مصر من عمليات ارهابية تقوم بها
عناصر الجماعة منذ الاطاحة بحكم المعزول مرسى واستهدفت قوات الجيش والشرطة
والمواطنين العاديين والادلة المتعدده على ذلك واخرها ما كشفت عنه التحقيقات من
ضلوع الجماعة فى حادث اغتيال المستشار هشام بركات بالاشتراك مع حماس فى غزة ناهيك
عن الحرب الدموية فى سيناء ..اوروبا تعلم جيدا ان مصر حائط الصد الاخير قبل
الطوفان ، والتلاعب بحقوق الانسان لن يهدد مصر وحدها بل اوروبا ذاتها فى المستقبل
.