دعا رئيس مجلس الوزراء الدكتور شريف إسماعيل مجموعة من رؤساء تحرير الصحف والمجلات وبعض الكتاب الصحفيين للاجتماع معه في مقر مجلس الوزراء، لإجراء حوار حول رؤيتهم للمشكلات الراهنة في مصر، وذلك يوم الثلاثاء الثامن من مارس ٢٠١٦، وقد شاركت في هذا اللقاء.
والواقع أن رئيس مجلس الوزراء بهذه الدعوة التي كررها مع مجموعات أخرى من الصحفيين والكتاب وأعضاء مجلس النواب إنما يستن سنة حميدة، وذلك لأن صانع القرار -مهما تعددت وتنوعت البيانات الإحصائية لديه عن المشكلات- لا بد له أن يتعرف مباشرة على إدراكات من يشغلهم الشأن العام، سواء كانوا صحفيين أو كتابا أو مثقفين، لأن الرؤى الخاصة بتشخيص المشكلات واقتراح الحلول الفعالة لمواجهتها متعددة، وبالتالى يتاح لصانع القرار أن يطلع مباشرة ومن خلال حوار فكرى مفتوح على هذه الرؤى. ومن شأن ذلك أن يحيط علما بكيف يشخص هؤلاء المهتمون بالشأن العام المشاكل، وأهم من ذلك ما هي السياسات التي يقترحونها لمواجهتها.
وقد قدم رئيس الوزراء عرضا مختصرا لجهود الوزارة في حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، وكانت أبرز ملاحظة أوردها أن هذه الجهود تركز على المدى القصير، وليس على المدى المتوسط أو الطويل، كما فعلت إستراتيجية التنمية المستدامة لمصر ٢٠-٣٠، التي أعلنت بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ فترة قريبة.
وقد أتيح لى أن أكون أول المتحدثين في الاجتماع. والحقيقة أننى تعودت على أن أطلب الكلمة مبكرا في مثل هذه الاجتماعات مع صناع القرار حتى أضع -بحكم خبرتى كباحث في العلم الاجتماعى- إطارا نظريا ومنهجيا حتى تدور المناقشات في سياقه، تحاشيا للعروض المطولة التي قد تكون خارج الموضوع وتجنبا للثرثرة أو التعليقات العابرة.
وقد أبديت تأييدى لتأكيد رئيس الوزراء على ضرورة التمييز -حين الحديث عن السياسات- بين المدى القصير والمدى المتوسط والمدى الطويل، وقد أضفت إلى ذلك أن هذه هي لغة التخطيط، التي ينبغى على صانعى القرارات من أول السيد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء والمسئولين كل أن يطبقوها حتى تتعلم الجماهير أنه لا توجد حلول سريعة وعاجلة للمشكلات المتراكمة المطروحة.
وذلك لأن هناك مشكلات مركبة مثل قضية «العدالة الاجتماعية» لا يمكن -حتى لو توفرت الإمكانيات المادية- أن تحل في الأجل القصير أو المتوسط، لأن تحقيق العدالة الاجتماعية بالمعنى العلمى للكلمة يحتاج إلى إعادة صياغة الأنساق الأساسية للمجتمع المصرى، ونعنى بذلك النسق السياسي والنسق الاقتصادى والنسق الاجتماعى والنسق الثقافى.
ولا شك أن تحقيق العدالة الاجتماعية يقتضى أولا إرادة حاسمة من النخبة السياسية الحاكمة من أول رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وأعضاء مجلس الشعب بل النخب السياسية والثقافية عامة فيما يتعلق بضرورة القضاء على ظواهر اللامساواة في المجتمع.
ويتطلب ذلك تبنى نظرية للتنمية المستدامة يكون هدفها الرئيسى - إضافة إلى ترقية المجتمع ككل- إشباع الحاجات الرئيسية للجماهير العريضة.
بمعنى ألا تقتصر ثمار التنمية على القلة من أعضاء الطبقات البرجوازية كما حدث في عصر «مبارك» وعصر «السادات» بعد أن نسفت نسفا سياسات العدالة الاجتماعية التي وضعت أسسها وطبقتها بنزاهة كبيرة قيادات ثورة ٢٣ يوليو برئاسة الزعيم جمال عبدالناصر.
ومعنى ذلك أن يوضع في الاعتبار في المفاضلة - بين المشروعات التنموية المقدمة- أن ينعم بثمارها أكبر عدد من السكان خصوصا أعضاء الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
ويقتضى ذلك أيضا حملة موجهة للقضاء على الفساد بكل صوره الذي يؤدى إلى إهدار المال العام.
وقد أكدت، في كلمتى، ضرورة الاهتمام بتطبيق أسلوب المؤشرات الكمية والكيفية الذي تمارسه العلوم الاجتماعية للتوصيف الدقيق لكل مشكلة من المشكلات المطروحة، تمهيدا لاقتراح السياسات المقترحة لمواجهتها.
وقد ذكرت، في مداخلتى، أن «المركز العربى للبحوث» الذي أتشرف بإدارته ويشاركنى في القيام بأبحاثه نخبة متميزة من الخبراء في جميع فروع العلم الاجتماعى يعكف الآن على إعداد كتاب مرجعى عن «خريطة المشكلات المصرية»، متبعين في ذلك منهجا ثلاثيا يتكون من الوصف الدقيق لكل مشكلة باستخدام المؤشرات الكمية والكيفية والسياسات المقترحة ومشروعات القوانين المطلوبة.
وقد اختار المركز إحدى عشرة مشكلة، وهى الوضع الراهن في مجال الاقتصاد، خصوصا الفقر والبطالة والتشغيل، والتعليم، والصحة، والإعلام، والثقافة، ومجال الممارسة السياسية، والسياسة الخارجية، والمحليات، والطاقة، والوضع الخاص بالشباب، والمشكلات الاجتماعية.
وستنشر نتائج هذه البحوث في كتاب سيوزع أساسا على أعضاء مجلس الشعب وعلى الجماهير عموما، لرفع الوعى بأهمية تطبيق المنهج العلمى في مجال نقد الواقع الاجتماعى وخطط التنمية المستدامة التي تهدف إلى مواجهة التخلف والانطلاق في آفاق التقدم.