الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قراءة عقيدية… الإخوان ليسوا خوارج فحسب.. فمن هم؟ (١١)

الباحث الإسلامي محمد
الباحث الإسلامي محمد يسري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مازلنا نحاول البحث عن التوصيف الحقيقي لجماعة الإخوان، وقد رأينا فيما سبق وجود الكثير من المشتركات العقدية بين الجماعة، والكثير من الفرق التي حادت عن منهج الصحابة والتابعين كالخوارج والشيعة والمرجئة والمتكلمين والفلاسفة، ثم بدأنا في الحلقة السابقة الدخول لمنطقة أخري لكشف أوجه التشابه بين الإخوان والصوفية، حيث كانت المفاجأة لدينا وهي وجود الكثير من أوجه التشابه بين حسن البنا مؤسس الجماعة وقطب الصوفية السيد أحمد البدوي، وفي هذه الحلقة نواصل البحث في مواطن التشابه بين الاثنين.


يشترك البنا أيضا مع السيد البدوي في القول بالمنامات، واعتبارها من مقدمات التقديس والبشارة بالمكانة العلية بين العالمين، وهي من العلامات المشهورة لدي جميع الصوفية، لاسيما أصحاب الكرامات والكشف.
ويحاول حسن البنا اقتفاء أثر من سبقوه بالبشارة، وخاصة السيد البدوي في رؤيا يرويها بنفسه، بعد أن اطلع على كتاب "المنهل الصافي في مناقب حسنين الحصافي" فيقول:
"وزادني تعلقا بالشيخ الجليل رحمه الله - أنني رأيت في هذه الأثناء، وعلى أثر تكراري للقراءة في المنهل، فيما يرى النائم: أنني ذهبت إلى مقبرة البلد فرأيت قبرا ضخما يهتز ويتحرك، ثم زاد اهتزازه واضطرابه حتى انشق فخرجت منه نار عالية امتدت إلى عنان السماء وتشكلت فصارت رجلاً هائل الطول والمنظر واجتمع الناس عليه من كل مكان فصاح فيهم بصوت واضح مسموع وقال لهم: أيها الناس: إن الله قد أباح لكم ما حرم عليكم، فافعلوا ما شئتم. فانبريت له من وسط هذا الجمع وصحت في وجهه” كذبت” والتفتُّ إلى الناس وقلت لهم: “ أيها الناس هذا إبليس اللعين وقد جاء يفتنكم عن دينكم ويوسوس لكم فلا تصغوا إلى قوله ولا تستمعوا إلى كلامه” فغضب وقال: “ لا بد من أن نتسابق أمام هؤلاء الناس فإن سبقتني ورجعت إليهم ولم أقبض عليك فأنت صادق”. فقبلت شرطه وعدوت أمامه بأقصى سرعتي. وأين خطوي الصغير من خطوه الجبار، وقبل أن يدركني ظهر الشيخ - رحمه الله - من طريق معترض وتلقاني في صدره واحتجزني بيساره ورفع يمناه مشيرا بها إلى هذا الشبح صائحا في وجهه: اخسأ يا لعين، فولى الأدبار واختفي، وانطلق الشيخ بعد ذلك، فعدت إلى الناس وقلت لهم: أرأيتم كيف أن هذا اللعين يضلكم عن أوامر الله.
واستيقظت وكلي شوق وتقدير وترقب لحضور السيد عبد الوهاب الحصافي نجل الشيخ - رحمه الله - لأراه وأتلقى عنه الطريق ولكنه لم يحضر هذه الفترة".
(انظر: مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا)
وقد ذكر البنا هذه الرؤيا في بداية مذكراته باعتبارها مقدمة لما سوف يصل إليه من مقام في الدعوة، علي اعتبار أنه سوف ينقذ العباد من ضلالهم، ومن ذلك الشرك الذي نصبه لهم ذلك الرمز الذي اشار اليه في منامه ، وكأنه المسيخ الدجال الذي أباح للناس كل محرم عليهم، إلا أنه لابد له في ذلك من مدد من السابقين، كي يثبت أنه علي دربهم يسير، وعن طريقهم لا يحيد، حيث يذكر أن شيخه حسنين الحصافي شيخ الطريقة الحصافية هو الذي أعانه علي هذا العملاق الذي رآه في المنام.
وانظر إلى ذلك التناص بين رؤيا البنا ورؤيا السيد البدوي التالية مع اختلاف أن الذي جاء ليعين البدوي هما قطبا الصوفية الجيلاني وأحمد الرفاعي، تمهيدا لما سوف يكون عليه البدوي من قداسة فيما بعد. (التناص: مصطلح نقدي يستخدم في المقارنة بين النصوص الادبية المتشابهة)
يقول عبدالوهاب الشعراني:
"فلما بلغ سبع سنين سمع أبوه قائلا يقول له في منامه: يا علي انتقل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة فإن لنا في ذلك شأناً، وكان ذلك سنة ثلاث، وستمائة" (انظر: الطبقات الكبري لشعراني)
والشعراني يقصد هنا بالمنادي هنا النبي صلي الله عليه وسلم.
ويتابع الشعراني فيذكر حكاية عن الشريف حسين الأخ الأكبر للبدوي فيقول: "ثم إنه في شوال سنة ثلاث، وثلاثين وستمائة رأى في منامه ثلاث مرات قائلا يقول: له قم، واطلب مطلع الشمس فإذا وصلت إلى مطلع الشمس فاطلب مغرب الشمس، وسر إلى طندتا (طنطا)، فإن بها مقامك أيها الفتى فقام من منامه، وشاور أهله وسافر إلى العراق فتلقاه أشياخها منهم سيدي عبد القادر، وسيدي أحمد بن الرفاعي فقالا: يا أحمد مفاتيح العراق، والهند، واليمن، والروم، والمشرق، والمغرب بأيدينا فاختر أي مفتاح شئت منها، فقال لهما سيدي أحمد رضي الله عنه لا حاجة لي بمفاتيحكما ما آخذ المفتاح إلا من الفتاح!! قال: سيدي حسن فلما فرغ سيدي أحمد من زيارة أضرحة أولياء العراق كالشيخ عدي بن مسافر، والحلاج، وأضرابهما خرجنا قاصدين إلى ناحية طندتا فأحدق بنا الرجال من سائر الأقطار يعاندوننا، ويعارضوننا، ويثاقلوننا فأومأ سيدي أحمد رضي الله عنه إليهم بيده فوقعوا أجمعين فقالوا له: يا أحمد أنت أبو الفتيان فانكبوا مهزومين راجعين، ومضينا إلى أم عبيدة فرجع سيدي حسن إلى مكة وذهب سيدي أحمد رضي الله عنه إلى فاطمة بنت بري وكانت امرأة لها حال عظيم، وجمال بديع، وكانت تسلب الرجال أحوالهم فسلبها سيدي أحمد رضي الله عنه حالها، وتابت على يديه أنها لا تتعرض لأحد بعد ذلك اليوم، وتفرقت القبائل الذين كانوا اجتمعوا على بنت بري إلى أماكنهم، وكان يوماً مشهوداً بين الأولياء، ثم إن سيدي أحمد رضي الله عنه رأى الهاتف في منامه يقول له: يا أحمد سر إلى طندتا فإنك تقيم بها، وتربي بها رجالا، وأبطالا عبد العال، وعبد الوهاب، وعبد المجيد، وعبد المحسن، وعبد الرحمن رضي الله عنهم أجمعين، وكان ذلك في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين، وستمائة فدخل رضي الله عنه مصر ثم قصد طندتا" (انظر: المرجع السابق)
ولعل المتأمل للنصين السابقين يستطيع أن يري أوجه التشابه الموضوعي بين رؤيا البنا ورؤي السيد البدوي من عدة أوجه وهي:
أولا: أن الاثنين يشتركان في البحث عما يؤيد عظم المكانة، لإعداد عقلية أتباعهما لتقبل ما سوف يكون لهما من منزلة فيما بعد.
ثانيا: الاستعانة بأصحاب المكانة والمنزلة العالية في طريقتهما، إذ جعل البنا شيخ الطريق الحصافية حسنين الحصافي السند والمرجع في مواجهة التحدي الذي وجد نفسه فيه، أما البدوي فرغم أنه أظهر الإعراض عن مساعدة عبدالقادر الجيلاني، وأحمد الرفاعي إلا أنه لجأ إلي قوة أكبر منهما وهي النبي صلي الله عليه وسلم مباشرة، كما يذكر الدكتور سعيد عاشور في الرؤيا التي يعلل فيها البدوي رحلته من مكة الي العراق قبيل مجيئه إلي طنطا فيقول "أن في هذه الرؤيا مبالغة مقصودة من جانب كتاب سيرة السيد البدوي، ليظهروا للقاريء عظم مكانته، وكيف أن الرسول صلي الله عليه وسلم بشر بظهوره، ليعدوا عقلية القاريء لتقبل المعجزات التي نسبوها أليه فيما بعد" (انظر : كتاب السيد البدوي لسعيد عاشور) و(السيد البدوي، دراسة نقدية ، لعبدالله صابر)
ثالثا: البطل المشترك في الروايتين هو ظهور قوي كبري وتحد جبار ليس لأحد قبل به من العامة والخاصة وتمثلت تلك القوي الجبارة في رؤيا البدوي في تلك السيدة المسماة فاطمة بنت بري التي كانت تسلب الرجال أحوالهم فلم يكن لأحد قبل بها، حيث تحداها البدوي كما ذكر الشعراني وسلب حالها وتمكن منها حتي سارت من أتباعه، إضافة إلى مصرع المعارضين له بمجرد إشارة منه، إلا أن البنا كان أكثر تواضعا من البدوي لأن هناك فرقا بينهما، فالبدوي من الأقطاب، أما البنا فلم يكن بعد وقتها إلا أحد العارفين، حيث قبل التحدي ثقة في نفسه إلا أنه استعان بشيخه الذي عاونه علي القضاء علي العملاق الذي ظهر له، لكنه عاد مرة أخري ليثبت لنفسه قوة وقدرة معنوية تعوضه تلك الاستعانة، حينما ذكر أنه عاد الي الناس مرة أخري وأخبرهم بصدق كلامه في التحذير من ذلك المارد الذي انشقت الأرض عنه واراد أن يضلهم لولا تدخل البنا.
رابعا: الرؤيا والمنامات لدي البنا والبدوي من بقايا النبوة، وهي إحدي الطرق المعتمدة لدى الصوفية في مدارك المعرفة الإلهية التي تقوم مقام الوحي فتبني عليها الأحكام فيما بعد.
خامسا: رواية البنا والشعراني عن البدوي في تلك المنامات والرؤي كانت في بداية ظهورهما، باعتبار أنها من علامات البشارة لما سوف تؤول إليه الأمور لهما من الزعامة، وقيادة الأمة ومن ثم الخلافة وأستاذية العالم فيما بعد.

وننتقل من التناص في الرؤى والمنامات إلي منطقة أخري، حيث يظهر التناص أيضا في عدة مواضع بين مأثورات حسن البنا وأوراد الطريقة الأحمدية، انظر مثلا ورد الدعاء لحسن البنا الذي يكون بعد قراءة الورد القرآني وورد المأثورات، يقول البنا:
ورد الدعاء
(أستغفر الله) مائة مرة ، (اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم) مائة مرة ، (لا إله إلا الله مائة مرة) ، الدعاء للدعوة والقائمين بها وللإخوان والنفس والأهل بعد ذلك بما تيسر من الدعوات.
ويقرأ الورد صباحا بعد صلاة الصبح ، ومساء بعد صلاة المغرب أو العشاء أو قبل النوم مع الخشوع التام ، وألا يقطع ورده بكلام دنيوي إلا للضرورة استكمالا للخشوع وتأدبا في الذكر". (انظر: مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا)
ثم انظر التشابه النصي بين ورد الدعاء وأوراد الطريقة الاحمدية، التي تقرأ صباحا ومساء:
(لاإله إلا الله محمد رسول الله.) ( 100 مرة )
(اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم.)
( 100 مرة)
(أستغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه.)
( 100 مرة )
(بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد.) ( 100مرة)
(لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.) (100مرة)

ومن اوجه الشبه بينهما رغم تأثيرهما الكبير ومريديهما المنتشرين في جميع انحاء العالم الا ان تراثهما العلمي يكاد يكون صفرا فلم يترك البدوي شيئا سوي بعض الوصايا والعظات، التي قيل أنه كان يوجهها إلى خليفته عبدالعال، رغم زعم البعض أن للبدوي مؤلفات علمية وبالغوا في ذلك، وقالوا إنها تشكل تراثا فكريا ضخما، ولما لم يجدوا أثرا لهذا التراث، قالوا إنه فقد، وأن ما بقي منه نقل إلى مكتبات أوروبا وغيرها!! وهذا ليس صحيحا (راجع: السيد البدوي دراسة نقدية).
كذلك لم يترك حسن البنا شيئا علميا ذا بال سوي "مجموع الرسائل" والوصايا العشر، ومذكرات الدعوة والداعية" وتعتبر كلها عبارة عن مذكرات شخصية إضافة إلى بعض المقالات المنشورة في مجلات الجماعة.
والمتابع لكتاب مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، لا يمكن أن يرى البنا إلا شيخا صوفيا من خلال كتاباته واقواله وأحواله، والعجيب أن البنا يعترف فيها أنه لم يكن بعد قد بلغ سن الواحد والعشرين عاما بعد، وقد انقاد له في هذه السن الصغيرة من أصحاب اللحي والشوارب والعمامات ما يتعب العادين في إحصائه دون تثبت منهم لحاله أو علمه.