على الموقع الإلكترونى «كل يوم مقال»، كتبت قارئة متيمة بقصص سوبرمان المصورة مقالًا بعنوان «لماذا أعتبر سوبرمان بطلي؟» روت فيه أنها كانت مريضة مزمنة بالاكتئاب، تعانى من الإحساس بالفشل واليأس، حتى سن السابعة والعشرين من عمرها، وأنها كانت على وشك الانتحار عندما قام صديق أختها بإعارتها بعض قصص «سوبرمان»، وقد تأثرت بنبله وحبه للناس وإصراره على إنقاذ البشرية حتى وهو مهدد بفقدان قوته وحياته.. لدرجة أنها شفيت من الاكتئاب، ونجحت فى تغيير حياتها للأبد منذ ذلك الحين.
ربما تكون هذه الحالة استثنائية ومبالغًا فيها، أن تنجح بعض قصص الأطفال المصورة فى علاج مريض نفسى وتغيير حياته، ولكن ارتباط الأطفال والمراهقين بقصص الأبطال الخارقين لا يمكن أن يكون عشوائيا أو مجانيا، والمؤكد أن هذه القصص وأبطالها يساهمون فى تشكيل وعى القراء والمشاهدين وفى تحرير نفوسهم وعلاجها من كثير من المشاكل والمشاعر السلبية.
بالنسبة لى ساهمت قصص الأبطال الخارقين فى تشكيل مفهومى عن الخير والشر، والإيمان بقوة القانون والعدل وحتمية انتصار الخير فى النهاية، حتى لو كانت تجارب الحياة علمتنى بعد ذلك أن هذا لا يتحقق فى الحياة، وأن الفساد والظلم ينتصران فى معظم الأحيان، وأن البطولة والنبل المطلقين مجرد خيال فى خيال.
قصص الأبطال الخارقين المصورة أخلاقية جدا، وأنا أقصد الأجيال الأولى من هذه القصص، وليس بعض ما ينتج اليوم من قصص فوضوية وإباحية يلعب بطولتها أشرار أو شخصيات معقدة ومظلمة.
مع ذلك فإن التعليم الأخلاقى هو آخر فائدة يمكن الحديث عنها من فوائد القصص المصورة. الفائدة الأهم هى المساهمة فى تشكيل شخصية القراء الصغار من خلال بطل خيالى يتماهون معه، أى يتقمصونه، ويسقطون عليه مخاوفهم ورغباتهم ويتحررون عبره من ضغوطهم وشكوكهم ويتطلعون معه إلى التفرد والعظمة والمجد.
يعكس السوبرمان، أو البطل الخارق، التصورات الأولية للطفل عن نفسه: أنه محور العالم ومنقذه، وأنه مميز ومتفرد، وأن العالم الخارجى لا يفهمه ولا يقدر مواهبه حق قدرها.
يعيش السوبرمان حياتين بشخصيتين مختلفتين: الحياة العادية جدا التى يعيش فيها كشخص ضعيف وجبان يستهتر به الرجال وتتجاهله النساء، والحياة البطولية التى يتحول فيها إلى شخص خارق القوة والشجاعة ويصبح رمزًا للرجال ومعبودًا للنساء.
من أقدم ذكرياتى عن المجلات المصورة، ولعلى كنت فى الخامسة أو السادسة من عمرى، قصة من مجلة «باتمان» تحتوى على تعليق فوق إحدى الرسومات يقول: «.. وفى العقل الباطن كان باتمان..». عرفت يومها أن هناك عقلًا آخر يعمل بشكل مستقل عن العقل الواعى، بالرغم من اعتقادى يومها أن هذا العقل يوجد فى بطن الإنسان!
تخاطب القصص المصورة العقل الباطن للطفل والمراهق، أى هذا الجزء المظلم والمجهول من وعيه، والعالم المنقسم الذى يعيشه البطل الخارق يمثل الوعى واللاوعى. الجانب الواعى هو الحياة العادية التى يكون فيها الطفل محكومًا بالواقع والكبار والأطفال الأقوى والأكبر منه سنًا، وقبل هذا كله يخضع لقوانين الطبيعة.. الجانب اللاواعى هو الحياة الخيالية التى يعيشها الطفل والتى تحمل تصوراته عن نفسه كشخص فائق القوة قادر على الطيران وعبور حواجز المكان والمسافات والرؤية عن بعد وتحطيم أعدائه بقبضة يده.
القصص المصورة هى المعادل العصرى للأساطير القديمة عن الآلهة وأنصاف الآلهة.. فى بعضها يستمد البطل أصوله وقوته من قوة غيبية خارج الكوكب، مثل سوبرمان، وفى معظم الأحيان يستمدها من حيوان، مثل الرجل الوطواط، والرجل العنكبوت، والرجل الذئب.
وإذا كان سوبرمان يرجع بجذوره إلى المعتقدات الإغريقية والمسيحية عن ابن الإله، فإن الأبطال الحيوانات يرجعون بجذورهم إلى الديانات الوثنية التى تعتمد على فكرة الحيوان «الطوطم»، أى الممثل للقبيلة ورمزها الذى يمنحها قوته الفائقة لقوة البشر.
تربط قصص الأبطال الخارقين، إذن، بين الإنسان وجذور معتقداته القديمة من ناحية، وبين قوى الطبيعة من حوله، المنظورة والغيبية.
هذه المهمة تحققها الأساطير وقصص الأطفال الخيالية، ولكن قصص الأبطال الخارقين والمتحولين تعتبر النموذج الأوضح والأرقى والأكثر عصرية منها.
لا يفهم الكثيرون هذه الأبعاد للقصص الخيالية، حتى بين أكثر عشاقها حماسًا، وفى الحقيقة ليس المطلوب أن يفهم القارئ والمشاهد هذه الأبعاد لأن المعرفة هنا قد تفسد السحر والتأثير الغامض الذى تحققه هذه القصص، ولكن المشكلة كالعادة تأتى من هؤلاء «العقلانيين» بزيادة، المحرومين من نعمة الخيال، الذين يعانون غالبًا من كبت مبرح، يكرهون بسببه اللاوعى والخيال.
تعرضت قصص الأبطال الخارقين للاتهامات والانتقادات منذ ظهورها، وربما يكون أكبر نقد وجه لها على الإطلاق هو الكتاب الذى يحمل عنوان «غواية الأبرياء» الذى كتبه طبيب نفسى أمريكى، من أصل ألمانى، اسمه فريدريك فيرتهام، والذى صدرت طبعته الأولى عام ١٩٥٤.
فى هذا الكتاب اتهم فيرتهان قصص الأبطال الخارقين بأنها تحرض الأطفال والمراهقين على الانحراف الأخلاقى، وتشجعهم على العنف وارتكاب الجريمة وتعاطى المخدرات، وقد استند فيرتهان فى كتابه على بعض الدراسات والأرقام من عيادات المرضى نفسيًا والمراهقين الجانحين، تبين فيما بعد أنه اتبع منهجا انتقائيا وغير علمى فى تحليلها.
الملحوظة الجديرة بالتأمل هنا أنه إذا كانت القصص المصورة للأبطال الخارقين قد ولدت من رحم الأزمة الاقتصادية والحرب العالمية الثانية، ومشاعر الخوف والإحباط والحاجة إلى الأمل والتمسك بشخص فائق القوة، فإن الخوف من الأبطال الخارقين والهجوم عليهم جاء فى إطار مناخ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وموجة «المكارثية» التى تمثلت فى مصادرة الحريات والتخوين والخوف من الشيوعية والليبرالية والفنون والإبداع وكل شيء!