مذبحة القلعة، هى الحكاية الأشهر فى التاريخ عند ذكر «محمد على باشا» مؤسس مصر الحديثة، فقد تخلص الرجل من زعماء سياسيين دعموه وجعلوا منه حاكمًا، ولكنه عندما اعتلى العرش كان منزعجًا من تدخلاتهم المستمرة فى قراراته، فقد كانوا يعتبرون أنفسهم شركاء فى الحكم، مما دعاه إلى التخلص منهم فى المذبحة الشهيرة ليحكم منفردًا، ليس هذا هو السبب الوحيد لتخلص الحكام من بعض المحيطين المزعجين، وهم أنواع، ولكل عصر مماليك، فى عصر محمد على كان المماليك هم من يحكمون مصر ويستولون على خيراتها، وعندما انتفض الشعب ضد كبيرهم خورشيد باشا، جاءوا بمحمد على إلى السلطة والتفوا حوله ليعطوا انطباعًا بأنهم لهم الفضل فى جعله حاكمًا، ولكنه سرعان ما اكتشف أنهم عائقًا بينه وبين أى تطوير يريد إنجازه وأيضًا عائقا بينه وبين الشعب مما دعاه لتدبير ذبحهم، والمماليك فى عصرنا يدعمون الحاكم ويحشدون له ويروجون فضائله، وبعد ذلك ينتظرون المكافأة وعندما يخذلهم الحاكم يدبرون له المكائد والمؤامرات، ويشرعون فى توريطه فيما يوقع الصدام بينه وبين الشعب، وهنا يجد النظام نفسه أمام اختيار واحد لا بديل له وهو ذبحهم على الطريقة الحديثة.
فقد يحدث أحيانًا أن يتخلص الحاكم من أشخاص دعموه وساندوه لأنهم لا يعقلون، حمقى، وبالتالى يسببون له المشاكل، لأنهم محسوبون عليه وغالبًا يكون هؤلاء مثل فقاعة الهواء وسطحيين للغاية، وأحيانًا يتخلص منهم لأنهم غير مخلصين ومعدومو المبادئ، وبالتالى يضعون أنفسهم فى خدمة أى نظام يحقق لهم المصلحة، لأنهم غالبًا لا يعملون إلا من أجل مصلحتهم الشخصية، وعمومًا فإن الشخص عديم المبدأ من المفروض أن يخشاه النظام أكثر من أى شخص آخر، لأنه يبيع دائما لمن يدفع أكثر، وهو أكثر المزعجين غدرًا وطعنًا فى الظهر ونكرانا للجميل، ويوجد نوع آخر تتجه الأنظمة للتخلص منه وهو الوقح سليط اللسان والذى «يسوق الهبل على الشيطنة» وفقًا للمصطلح المصرى الدارج، لأنه يضع النظام فى حرج مستمر، كما يحدث أيضًا أن تبقى بعض الأنظمة على الأفّاقين وتتخلص من أصحاب المبادئ والشرفاء، لأنهم أيضًا مزعجون ولكن بطريقة أخرى.
الوقوع فى الخطأ مسموح به أحيانًا، ولكن الاستمرار فيه أمر غير مقبول أيًا كانت الأسباب، ولذلك احترم ذكاء ودهاء وحسن تصرف من يتخلصون من أخطائهم، وأتمنى أن يستفيدوا من ذلك قدر الإمكان حتى لا يتكرر الخطأ، وأحترم أكثر من يكتشف أصدقاء السوء، ويتخلص منهم حتى لا يضروه أكثر مما ضروه، وفى السياسة يحدث أن تتورط الأنظمة السياسية فى بداية عهدها فى أشخاص داعمين لها ساندين ظهرها رغم أنهم يكونون غير صالحين فى الالتصاق بها، لأنهم يصمونها بالعار ويكونون من الأفّاقين وعديمى المبادئ، وعادة تكون الأنظمة على علم بذلك، وطبقًا لمن تتوافر لديه خبرة سياسية جيدة فى النظام، يستطيع ببراعة أن يستخدمهم ويستغلهم جيدًا، ثم يتخلص منهم بعد أن يصبح وجودهم بجانبه عبئًا عليه، يشوهه ويفتح أبوابًا للجدال حول رعايته لهؤلاء المحسوبين عليه منذ قدومه، وطرق التخلص هى فن بصراحة، فقد عفى الزمن طبعًا على طريقة محمد على باشا، ولكن أصبح تعبير مذبحة القلعة رمزًا للتخلص من الأعوان، وفى العصر الحديث أصبحت الطريقة المعتادة هى دفع الشخص للوقوع فى الخطأ، وعلى طريقة اصطياد الأخطاء، يتم اصطياده هو أيضًا، ويتم استغلال نقاط الضعف، وبها يرتكب الشخص الخطيئة التى تسهل للنظام ذبحه، وأحيانًا ليس من الضرورى الدفع ببعض الأشخاص لارتكاب الأخطاء، لأنه هو نفسه يكون خطيئة، بالتالى صيده يكون أسهل ويوفر على الطرف الآخر مجهود الإيقاع به لارتكاب حماقة.
وعلى الطريقة المصرية الأصيلة، فإن الانظمة تستخدم دائما بعض الأشخاص مثل منديل الورق تستخدمه ثم ترميه، ويقع اختيارها فى العادة على هؤلاء من النوع المتدنى فى كل شيء أو «المشبوه» وبعد إتمام مهمتهم على أكمل وجه تتخلص منهم، بطرق عدة، ولكن أشهرها توريطهم فى جريمة أو أزمة من صنع أيديهم، لأنهم ليسوا ببعيد عن الشبهات، وطبعًا هؤلاء التخلص منهم فى غاية السهولة، لأنهم كما قلت هم أصلًا «خطيئة» والنظام يتعامل معهم بعد استخدامهم على أنهم خطيئته التى يجب الخلاص منها، والعار الذى لا بد من الاغتسال منه، وبمجرد وقوع الشخص تكثر سكاكينه، بمعنى أن يتهم فى أكثر من واقعة، ويتم التشكيك فى مؤهلاته ووضعه تحت المراقبة، وفورًا يتم صدور إجراءات ضده مثل منعه من الظهور مثلًا أو منعه من السفر، وتتوالى الإجراءات، ويتم التخلص من واحد تلو الآخر بنفس الطريقة، والبقية تأتى، وطبعًا يبدو أن النظام فى هذه الحالة يتخلص من العناصر الضارة، ويطردها شر طرده من جنته، وكأنه يشفى من أمراضه.