من حسن حظ أبناء جيلى من رجال الصحافة والإعلام الذين يتابعون البرلمان حتى اليوم أنهم عاشوا وعاصروا العصر الذهبى للصحافة البرلمانية تحت قبة مجلس الشعب وكنت ضمن هذا الجيل من الصحفيين المحظوظين أننى جلست بجوار عملاق الصحافة الكاتب الكبير الراحل موسى صبرى الذى كان يأتى لمتابعة الجلسات المهمة من شرفة الصحافة والمعارك الساخنة التى شهدتها هذه القاعة، وكان قلمه بمثابة كرباج برلماني.
كما أننى عاصرت جيلا آخر من عمالقة وأساتذة الصحافة البرلمانية منهم الراحل الصحفى العظيم صلاح عبدالغفار والصحفى الرائع جلال السيد والقدير سامى متولى وفؤاد سعد، والراحل فؤاد أباظة، ومن الصحفيات رائدات الصحافة البرلمانية عواطف نشأت ونجاح عمر، ثم تزاملت مع محمود معوض وشريف العبد وشريف رياض ومحمد المصرى وعبدالجواد على والراحل محمد المختار وعيسى مرشد وأحمد البعثى ومحمود مسلم ومحمود غلاب.
فجميع هؤلاء الزميلات والزملاء وغيرهم ممن عاصر وعايش العصر الذهبى للصحافة البرلمانية يعلم جيدًا كيف كانت لأقلام المحررين البرلمانيين دور بارز ومؤثر فى صياغة وإصدار وتعديل كثير من القرارات البرلمانية وكيف كان لشرفة الصحافة بريق خاص لمن يجلس فيها ويتابع الجلسات بأذنيه وعينيه معا بدلا من متابعة اليوم عبر الشاشات والدوائر التليفزيونية المغلقة.
فالعصر الذهبى للصحافة البرلمانية لم يكن مرتبطا بأداء مهنى لأبناء هذا الجيل من الراحلين والمتقاعدين والمعاصرين حتى اليوم، بل كان مرتبطا بمجموعة من القيم والثوابت، الجميع ملتزم بها وفى مقدمتها الاحترام المتبادل وروح الأسرة الواحدة والتنافس الصحفى الشريف بعيدا عن المنافسة غير الموضوعية أو التجاوز فى حق بعضنا البعض وتحقيق انفرادات صحفية على حساب حقوق الزمالة.
والعصر الذهبى للصحافة البرلمانية يرتبط بشرفة الصحافة التى كانت بمثابة شرفة العائلة الصحفية، وعندما سلبت الشرفة من المحررين والإعلاميين البرلمانيين سلبت معها روح العائلة والإخوة البرلمانية والود وكانت الشرفة تجمع لا تفرق وكانت أشبه بالبالكونة لأسرة مصرية تطلع منها على أوضاع مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتخلق تواصلا وودا دائمين بين عائلة الشرفة وعائلة القاعة البرلمانية.
وهناك كثير من زملاء المهنة اليوم عاصروا أيضا العصر الذهبى ويسرى فى عروقهم روح أسرة الشرفة ويتمسكون بها حتى يومنا هذا، وبعض زملاء وشباب من الجيل الجديد الذى لم يجلس فى هذه الشرفة لديه ملامح هذه الروح ولكن البعض يحسها أحيانا، وأحيانا أخرى يفتقد هذه الروح الأسرية فى التعامل حتى فى التعامل مع نواب البرلمان لأن التكنولوجيا الحديثة والجلوس أمام «اللاب توب» و«الآى باد» أضاع كثيرا مما كنا نتمتع به خاصة فى الاستراحة بين الجلسات.
كما أن الزعامة البرلمانية لا يستطيع أى نائب أن يكتسبها لأنها هبة من الله سبحانه وتعالى، وليس كل نائب يستطيع أن يحصل على لقب زعيم برلمانى، وأيضا ليس كل صحفى برلمانى يمكن أن يكون قياديا برلمانيا فى هذه المهنة إلا بالتعب والجهد والقراءة والتواصل واستمرار روح العصر الذهبى داخله ودعم قدراته الذاتية وأن يكون صانعا للقرار البرلمانى وليس فقط متلقيا للقرار البرلماني.
فالعصر الذهبى للصحافة البرلمانية لن يعود إلا بعودة شرفة الصحافة من جديد وأن نستلهم روح هذه الشرفة والعمالقة الذين جلسوا فيها، وأصحاب الأقلام البرلمانية الذين أثروا سجلات الصحافة البرلمانية بأقلامهم وليس بمواقع صحفية تولوها كما يعتقد البعض وعلى أسرة الصحافة البرلمانية من القدامى والجدد أن يتعاونوا لعودة العصر الذهبى للصحافة البرلمانية واسترداد شرفة الصحافة مرة أخرى، ونحن قادرون على ذلك.