الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيد قطب وعزلة العُصبة المؤمنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الصراع الهُويّاتي أحد أهم الملامح التي ميزت البيئة في مصر على مدار أكثر من مائة عام، سيد قطب شكل أحد أعمدة الصراع الأيدلوجي بغرابته وتفرده وتحولاته طوال هذه الفترة حتى أصبح أكبر داعم للجماعات الإسلامية الراديكالية من خلال إنتاجه الفكري والذي جسده في كتابة معالم في الطريق، الذي أصبح دليلًا مفسرًا للجماعات الدينية التي تورطت بالدخول في صراع مسلح مع الدولة على مدار عقود طويلة.
سيد قطب، كان شاعرًا وناقدًا وناقمًا، ملامح شخصيته واغترابه والعزلة التي عاش فيها ظهرت في كتاباته عندما حدث التحول الأبرز في الشخصية الأكثر إثارة للجدل خلال المائة عام الأخيرة، فوجدنا هذه الغربة طابعًا مميزًا لشخصيته عندما وصف المجتمع بالجاهلي مطالبًا أتباعه بضرورة الخروج عليه اعتقادًا بحاكمية الله في أرضة.
قطب أقام علاقة رومانسية قبل أن تشهد شخصيته هذا التحول، جسدها في رواية أشواك عبرت عن سيرته الذاتية في المقام الأول، لم تختلف تجربته عن تلك التي جسدها أستاذة عباس محمود العقاد في روايته سارة، فكلاهما كانا ينتميان إلى المدرسة الرومانتيكية، التي كانت تعتبر الذات مصدر الحقيقة والمعرفة والإلهام، وهنا كانت خطورة التحول.
صاغ سيد قطب أفكاره بطريقة أدبية دفعت العُصبة المؤمنة التي اعتبرها مقدمة النصر في معركته مع الباطل، إلى البحث عن وسيلة لإقامة دولة بعيدة عن جاهليات القرن العشرين، ولكن حول تمصدره وتموقعة حول الذات.
أحلام العظمة والتفرد التي ملئت الشخصية التي ألهمت وألهبت مشاعر تيار الإسلام السياسي بمختلف تنوعاته بدت واضحة في تفسيراته التي تمحورت حول مقولاته الثلاثة (الجاهلية والحاكمية والعصبة المؤمنة)، فنجح في اختراق العقل والمشاعر والسيطرة على إرادة مئات الآلاف من الشباب على مر ستة عقود.
نُفذ حكم الإعدام على قطب عام 1966 بعد اتهام وجه إليه بقيادة تنظيم مسلح هدفه قلب نظام الحكم، ظهرت معالمه في المعالم، والذي أصبح فيما بعد مانيفستو الجماعات الدينية، فقد كان يعتمد بشكل أساسي على التأثير الروحي على الأتباع ودغدغة مشاعرهم، فهو يأخذ الأنصار والحواريين من الأرض إلى السماء محلقين في عالم مثالي، ثم ينزل بهم إلى الأرض عبر أدوات وصفها بالقوة الإلهية التي استخدمها في إقامة مجتمعة.
يكتب قصيدة يحتفل فيها بالملك فاروق يملؤها بالتصنع، ثم يجنح في منتصف حياته للتعبير عن علاقة رومانسية لم تنجح من خلال روايته الوحيدة، ثم نراه بعد ذلك مؤصلًا للخروج على الحاكم والمجتمع؛ كل هذا دليل على تحولات الرجل والتي انتهت إلى بناء هيكل تنظيمي وفكري.
تربع على عرش الحركات الإسلامية بأفكاره التي كتب جزءً منها داخل السجن، صاغها بأسلوب أدبي، لم تكن مجرد أفكار وإنما حاول تجسيد هذه الأفكار عمليًا من خلال تنظيم مسلح، انتهى التنظيم وبقت الأفكار شاهدة على واقع الصراع الأيدلوجي.
خطورة قطب الحقيقية في طريقة تناوله للقضايا الشرعية والتي لم تخلوا من أسلوب جذاب يأخذ العقل والقلب معًا لساحة التطبيق، فنجح في التأثير على خلجات ومشاعر مريديه نثرًا وليس شعرًا، فقد ترك القصة والرواية والشعر والمدارس الأدبية ليضع أسس مدرسة واحدة عرفها أتباعه فيما بعد بمدرسة الحركة الإسلامية.
قطب إمامًا داخل مدرسة الإخوان المسلمين ومعلمًا داخل الجماعات الدينية التي سلكت طريق العنف وشرعنه وسائله بدءً من الجماعة الإسلامية والجهاد في مصر وانتهاءً بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وما بينهما، فما تركه الرجل من أفكار آراء وتفسيرات كان ملهمًا للعُصبة المؤمنة التي عزلها عن المجتمع بهذه الأفكار.