الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رئيس الوزراء والحشد الإعلامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبيل إلقاء شريف إسماعيل رئيس الوزراء، بيان حكومته أمام مجلس النواب، راح يلتقى بعدد من الكتاب الصحفيين والإعلاميين انتقاهم وفق تصور خاص زقزق فى رأسه، وهو أن وظيفة الإعلام والصحافة هى تسويقه شخصيًا لدى الرأى العام وترويج قراراته، وخاصة تلك التى انتواها «مؤلمة».
والحقيقة أن ما جري ـ فعلًا ـ بعد تلك اللقاءات كان شيئًا قريبًا من تلك المهام قصيرة القامة، قليلة القيمة، فيما وظائف الصحافة والإعلام تختلف على الكلية والتفصيل فى ظل أى نظام صالح رشيد، إذ تقوم مهمة الإعلام والصحافة على ركيزة قوية من «القراءة النقدية»، ولا يصلح فى هذا المقام التذرع بأن «الانتقاد» لا يتلاءم مع طبيعة المرحلة، لأن طبيعة المرحلة ـ فى ذاتها ـ تقتضى ذلك الانتقاد وإظهار جوانب القوة والضعف فى الأداء الحكومى أو عمل المسئولين التنفيذيين.
وفى يقينى أن أطنان المديح والتقريظ التى سكبها الصحفيون والإعلاميون على أدمغتنا بعد لقائهم شريف إسماعيل، وأحاديثهم الذربة الخلابة حول نظامه وعبقريته وشطارته، ليست هى الطريقة المناسبة لتقييم عمل الحكومة المصرية، أو للتنبؤ بقدرتها على الحركة والفعل مستقبلًا.
وربما يكون شريف إسماعيل شاطرًا وعبقريًا ومرتبًا وكل تلك الصفات، ولكن ذلك ليس كل شىء حين نكون بصدد الحديث عن قدرات رئيس الوزراء، وإنما نحن نريد فيمن يتولى ذلك المنصب أن يكون «سياسيًا» وقادرًا على مواجهة مجلس نواب ليس سهلًا، سواء من حيث طبيعة تشكيله أو ما يسوده من ظواهر غير مسبوقة فى حياتنا النيابية أو فى عمل السلطة التشريعية.
ولكننا ـ بالقطع ـ لا نستطيع الحكم على الرجل كسياسى، لأننا لا نعرفه، وقد هبط ـ فجأة ـ علينا كمثل الكوماندوز المحمولين جوًا الذين لا نعرف من أين أتوا.
ربما يكون له حضور وتاريخ بوصفه كادرًا «فنيًا» تكنوقراط عمل لسنوات طويلة فى مجال البترول، ولكن ذلك ـ بالطبع ـ لا يكفى كذريعة تكفل وزنًا وأرجحية لقرار تعيينه.
وهناك تصور يشيع حاليًا كتيار كلامى يردده الخبراء والعارفون فى بلدنا السعيد، يرى أن مهمة رئيس الوزراء هى مجرد مساعدة الرئيس أو تنفيذ بعض تكليفاته، وإيجاد الطرق والآليات التى تكفل تحقق توجيهاته على أرض الواقع، والحقيقة أن ذلك تصور خطر، لأنه سيجعل من مجلس الوزراء صورة من الشكل الذى عبر عنه يوسف والى فى عهد الرئيس مبارك حين قال: «كلنا سكرتارية الرئيس» وهو ما لاقى ـ فى حينه ـ استهجانا واسع النطاق، وكان أحد الأسباب فى توصيف نظام مبارك باعتباره «استبداديًا ومركزيًا يجعل الرئيس يمسك بكل الخيوط فى يده، وربما كان السيد يوسف والى يقصد بكلمة «سكرتارية» ما يشيع فى وصف الوزراء بالولايات المتحدة الأمريكية فيقال عن وزير الخارجية مثلًا: secretary of state، ولكن ذلك فى نوع مغاير من النظم تتعدد فيها المراكز بين البيت الأبيض والكونجرس و٤٢ وكالة فيدرالية للمخابرات وغير ذلك، أما وقت الرئيس مبارك فقد كانت مركزية النظام مطلقة، وكان سلطويًا Authoritarian بامتياز.
أما فى ظل نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى، فإن وضع الحكومة يجب أن يختلف، لأنه نظام خليط بين «الرئاسى» و«البرلمانى»، وهو ما لا يصح ولا يصلح فيه أن يكون الإعلام والصحافة تعبويين يتم فيه استدعاء رموزهما ليقوم رئيس الوزراء بتلقينهم ما يريد أو الإيحاء لهم برسم صور نمطية عنه أو سياساته وقراراته وتوجهاته بشكل معين فيه شىء مقصود.
هناك أشكال مفهومة فى الصحافة لإجراء مؤتمر صحفى، أو حديث جماعى، وهذا ينطبق ـ عادة ـ على المندوبين الصحفيين وممثلى الفضائيات، أما الكتاب والمفكرون فلا يجوز استدعاؤهم، إلا فى حالة الضرورة القصوى كحالة حرب مثلًا، أما مسألة المناداة على الكتاب والإعلاميين كلما وجد رئيس الوزراء وقت فراغ، فذلك أمر غير لائق، والاستجابة له من الكتاب والإعلاميين غير كريمة.
عند رئيس الحكومة عشرات المناسبات والوسائط لمخاطبة الرأى العام، وبمنطق الحوار ليس الإملاء، ولكنه لم يجد أحدًا ـ فيما يبدو ـ ليعلمه أن النظام الحالى ليس فيه مجال لأفكار التعبئة والحشد، إلا لدى رئيس الجمهورية، الذى ينوع ـ مع ذلك ـ وكما خبرناه من خلال المراقبة طرق اقتراباته من الرأى العام، فهو يتحدث أحيانا عن الحركة كما حدث عند اغتيال هشام بركات، وحين اجتمع بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لأكثر من مرة بعد هجمات إرهابية، وهو يتحدث أحيانًا من خلال منصة الدورات التثقيفية للقوات المسلحة، وهو يلقى خطابات بعضها مكتوب والآخر مرتجل، وهو يقدم ما يسمى «حديث الشهر» أحيانا فى التليفزيون، فضلا عن التواصل بينه وبين الناس عبر الإنترنت. 
أما رئيس الوزراء الذى أمضى نصف وقته ـ منذ هبط على منصبه ـ مختبئًا لا ينكشف على الرأى العام، فقد قرر حين جاءت لحظة الانكشاف أن يكون ظهوره عن طريق صيغة للحشد والتعبئة يلقن فيها الكتاب والإعلاميين ما يريد تمريره للناس عن بُعد.