أربعون فيلمًا مصريًا تم عرضها خلال عام ٢٠١٥، لم يهتم الإعلام سوى بأربعة من أسوأهم فنيًا، وبالتالى ساهم الإعلام، من حيث لا يدرى، فى هبوط الذوق العام، أكثر حتى من الأفلام الرديئة نفسها.
الفيلم الرديء، غالبًا، لن يشاهده سوى بضعة آلاف، وبعض هؤلاء لن يكمل المشاهدة، والبعض الآخر سوف ينسى الفيلم بمجرد الخروج من دار العرض، والبعض الآخر سوف يتأثر بالفيلم لبضع ساعات أو أيام قليلة، ولكن عندما يهتم الإعلام بفيلم ما ويكرس له الصفحات والبرامج التليفزيونية، فهو يعطيه عمرًا فوق عمره، وحضورًا فوق حضوره، ويخلق عند الجمهور رغبة فى معرفة هذا المنتج الذى يتكلم عنه الناس، وبالتالى يبحث عن الفيلم، أو عن المشاهد والألفاظ المثيرة للجدل التى يحتويها..وحتى أكثر الناس احترامًا وتهذيبًا سوف يجد نفسه متورطًا فى الحديث عن تفاصيل مبتذلة مثل وصف مايوه البطلة أو فتحة قميص نومها أو الصوت الفاحش الذى أصدره الشرير تعليقًا على كلام البطلة أو كلمات الغزل غير العفيف التى تبادلها الاثنان أثناء تعاطيهما المخدرات!.
أما إذا كان الفيلم الهابط محظوظًا وقام أحد المحامين من «حماة الفضيلة» برفع دعوى ضده، ثم أصدر أحد القضاة حكمًا بمنعه أو حبس أصحابه، فالنتيجة هى أن عدد مشاهدات الفيلم ستتضاعف مئات المرات، كما حدث مثلًا لفيلم «حلاوة روح» الذى شاهده المصريون جميعا بعد قرار رئيس الوزراء السابق بمنعه، وفى الآخر أصدر القضاء حكمًا بإلغاء قرار رئيس الوزراء، فأعيد نزول الفيلم إلى دار العرض وحقق نجاحًا أكبر مما حققه فى عرضه الأول.
الذى لا يفهمه المتعصبون والعصبيون من دفاعنا عن الأفلام والروايات المثيرة للجدل أن خير وسيلة لمقاومة الهبوط الفنى هى تجاهله، وأن الاهتمام بالأعمال الراقية والحديث عنها وعليها يساهمان فى رفع الذوق الفنى والأخلاق أكثر بكثير جدًا من الهجوم على الأعمال الهابطة أو مصادرتها.
ولو شغل هؤلاء العصبيون مخهم قليلا أو راجعوا تاريخ حرية التعبير فى بلاد العالم المختلفة فسوف يتوصلون بسهولة إلى هذه النتيجة.
الذى لا يراه هؤلاء العصبيون أن المواد الإباحية لم تختف من العالم يوما، وأنها لم تنقطع عن مجتمعاتنا يومًا، وأنها اليوم تملأ الدنيا من خلال وسائل الاتصال الحديثة، ولكننا ننجح فى تجاهلها عندما تكون على الإنترنت أو الدش داخل غرفة نومنا، وتنتفخ أوداجنا غضبًا عندما تكون داخل رواية فى مكتبة أو فيلم فى دار العرض.