لا شك أن الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية التى تشهدها مصر لها جذور عميقة؛ فقد واجهت حكومة الإخوان فى فترة الرئيس المعزول محمد مرسى تركة اقتصادية ثقيلة منذ عهد مبارك الذى شهد انهيارًا اقتصاديًا غير مسبوق، إذ تصدَّر المشهد العام للاقتصاد المصرى أزمات بطالة، وفقر وسوء توزيع الدخل، وفساد شابَ عمليات الخصخصة وتوزيع أراضى الدولة، وجمود هيكل الإنتاج، وضعف تقدمه التقنى وما ترتب على ذلك من انخفاض فى الإنتاجية، وضعف معدل الاستثمار الضرورى للنمو الاقتصادى، ما انعكس على ضعف الإنفاق على الصحة والتعليم بصورة تعتدى على حقوق الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى فى التعليم والرعاية الصحية، وغيرهما من القضايا.
وقد تولَّى الرئيس الأسبق محمد مرسى السلطة فى منتصف عام ٢٠١٢، وقد مرت فى هذا العام على المجتمع المصرى حكومتان و٤ جهات للتشريع «المجلس العسكرى، والبرلمان، ثم المجلس العسكرى مرة أخرى، ثم الرئيس محمد مرسى، ثم مجلس الشورى»، و٤ إعلانات دستورية مُكمِّلة «أحدها من المجلس العسكرى فى يوليو وثلاثة إعلانات دستورية فى حكم مرسى»، وشهد ذلك العام إقرار دستور جديد، وعلى مدار عام من تولِّى الرئيس مرسى الحكم أصدر مجلس الشورى مجموعة قوانين مهمة خاصة على المستوى الاقتصادى فى غياب مجلس الشعب، وطُرحت مشاريع قوانين فى مختلف وسائل الإعلام أثارت الكثير من الجدل داخل المجتمع كما ساءت الأوضاع على المستويين الاقتصادى والاجتماعى.
وضع البرنامج الاقتصادى للإخوان فى مقدمة أولوياته بشكل عام ضرورة التعامل مع ثلاث مشكلات عاجلة هى الانفلات الأمنى والتدهور الاقتصادى ثم مكافحة الفساد، ورغم ذلك فقد رأى بعض خبراء الاقتصاد أن برنامجهم مجرد نسخة مكررة من الإصلاح الذى دعا له الحزب الوطنى، واعتبروا أن هذا هو الوصف الدقيق للسياسة الاقتصادية التى طرحها البرنامج الانتخابى للإخوان للتعامل مع المشاكل الآنية والآجلة التى يعانى منها الاقتصاد، فما جاءت به السياسة الاقتصادية المقترحة فى مشروع النهضة من وسائل وأساليب لتحقيق أهدافها لا يختلف جوهرياً عما كان يقدمه الحزب الوطنى المنحل من وسائل وأساليب، إلا فى بعض التعديلات والإصلاحات التى تَردَّد معظمها حتى بين جماعات من نواب الحزب الوطنى وقياداته فى سنواته الأخيرة.
ولم يعارض الإخوان سياسة الخصخصة وإنما تحدثوا فقط عن «ترشيدها» واقتراح تبنى أشكال أخرى من الخصخصة مثل «خصخصة الإدارة» و«المشاركة»، فكان الحديث عن ترشيد سياسة الخصخصة وليس استبدالها بسياسات إنتاجية.
ولم يقدم الإخوان جديداً فيما يتعلق بالدور الاقتصادى للدولة، فقد أعاد الإخوان الحديث عن دور الدولة فى بعض المشروعات مثل تنمية سيناء وخليج السويس ومشاريع استصلاح الأراضى بالكيفية ذاتها التى كانت فى الخطط الاقتصادية لنظام مبارك؛ فدور الدولة هنا يتمثل فى «إنشاء البنية الأساسية اللازمة للمشروعات» وتشجيع الاستثمار العربى والأجنبى فى هذه المشروعات جنبًا إلى جنب مع المستثمر المصرى، ولم يأتِ برنامج الإخوان بجديد فيما يتعلق بإصلاح النظام العام للأجور، وما أورده البرنامج فى هذا السياق لا يختلف فى جوهره عما كان يتردد فى اجتماعات المجلس القومى للأجور فى عهد مبارك.
وأشار البرنامج الاقتصادى إلى تقليص هائل فى نسب البطالة وإنفاق واسع على التعليم والصحة وفى الخدمات العامة، أما التمويل فهو بالأساس عبر القطاع الخاص ويتجاهل ذلك أن العدالة الاجتماعية تقتضى تعديلاً جذرياً فى نظام الضرائب «فلا يكلمنا تفصيلاً عن إعمال الضرائب التصاعدية مثلاً»، كما تتطلب تغييراً منهجياً فى منطق عمل النظام الاقتصادى، ويعيد البرنامج إنتاج مقولات «تساقط الثمار» الذى سيحدث عندما تعمل ماكينة الأرباح بكامل طاقتها فتشد معها المجتمع بأسره، نظرية المدِّ التى تركِّز على الأغنياء بتوسيع عددهم برفع السقف الذى كان موضوعاً لإخوان الـ١٪ وغيرهم، فيرفع معه كل مراكب الفقراء وهى مقولات تسببت بفشلها فى قيام الثورة من الأساس.
وكرر البرنامج الاقتصادى للإخوان الشعارات التى كان الحزب الوطنى المنحل يرددها فيما يتعلق بتشجيع القطاع الخاص واستقطاب الاستثمار الأجنبى والقضاء على البطالة ومحاربة الفقر لجذب أصوات الناخبين وطمأنة رجال الأعمال.
ولم يختلف البرنامج الاقتصادى للإخوان فى جوهره عما كان يطرحه نظام مبارك، وإنما يضيف فقط بعض ما يمكن أن نطلق عليه «الإجراءات الاحترازية» التى تدخل فى باب إصلاح السياسة الاقتصادية السابقة أو ترشيدها، حتى فى حالة الحديث عن الدعم فقد أفاض البرنامج فى الحديث عن «ضرورة وصول الدعم إلى مستحقيه» وهى الصيغة نفسها التى كان يستخدمها صناع السياسة الاقتصادية فى النظام السابق.
ومما سبق يتبين أن التيار الإسلامى الذى تولى مقاليد السلطة فى مصر فضَّل استمرار نظام اقتصاد مبارك على نطاق واسع بالرغم من أنه مثل جميع الأطراف السياسية الأخرى تشدد على الحاجة إلى مزيد من العدالة الاجتماعية والحد من الفساد.
وفى الحقيقة لم تتحقق حتى الوعود المبدئية الخاصة بالأجور والحد من البطالة وبناء المصانع التى طرحها البرنامج خلال العام الأول من حكم الرئيس مرسى بل أعلن الحزب رسميا تعليق مشروع النهضة وأرجع ذلك للبيروقراطية والصراعات الداخلية.
وفى نهاية عام حكم الرئيس الأسبق انخفض التصنيف الائتمانى لمصر إلىCCC، وهذه المكانة المنخفضة وضعت مصر فى مكانة قبرص وأعلى من اليونان «التى أعلنت إفلاسها» بدرجة واحدة، وجاء الانخفاض فى التصنيف الائتمانى نظراً لعدم وجود التوافق المجتمعى والسياسى داخل البلاد كأحد أهم الأسباب، وهذا الانخفاض فى التصنيف الائتمانى يعنى انخفاض قدرة مصر على سداد التزاماتها الخارجية والداخلية.
ولم يكن هذا فقط ما جناه الإخوان على مصر فى الملف الاقتصادى، بل قاموا ولا يزالون بتعويقها بشتى السُبل كمحاولة حثيثة لإسقاط الدولة من خلال استهداف اقتصادها.. وهذه قصةٌ أخرى يجب أن تُروى.
وقد تولَّى الرئيس الأسبق محمد مرسى السلطة فى منتصف عام ٢٠١٢، وقد مرت فى هذا العام على المجتمع المصرى حكومتان و٤ جهات للتشريع «المجلس العسكرى، والبرلمان، ثم المجلس العسكرى مرة أخرى، ثم الرئيس محمد مرسى، ثم مجلس الشورى»، و٤ إعلانات دستورية مُكمِّلة «أحدها من المجلس العسكرى فى يوليو وثلاثة إعلانات دستورية فى حكم مرسى»، وشهد ذلك العام إقرار دستور جديد، وعلى مدار عام من تولِّى الرئيس مرسى الحكم أصدر مجلس الشورى مجموعة قوانين مهمة خاصة على المستوى الاقتصادى فى غياب مجلس الشعب، وطُرحت مشاريع قوانين فى مختلف وسائل الإعلام أثارت الكثير من الجدل داخل المجتمع كما ساءت الأوضاع على المستويين الاقتصادى والاجتماعى.
وضع البرنامج الاقتصادى للإخوان فى مقدمة أولوياته بشكل عام ضرورة التعامل مع ثلاث مشكلات عاجلة هى الانفلات الأمنى والتدهور الاقتصادى ثم مكافحة الفساد، ورغم ذلك فقد رأى بعض خبراء الاقتصاد أن برنامجهم مجرد نسخة مكررة من الإصلاح الذى دعا له الحزب الوطنى، واعتبروا أن هذا هو الوصف الدقيق للسياسة الاقتصادية التى طرحها البرنامج الانتخابى للإخوان للتعامل مع المشاكل الآنية والآجلة التى يعانى منها الاقتصاد، فما جاءت به السياسة الاقتصادية المقترحة فى مشروع النهضة من وسائل وأساليب لتحقيق أهدافها لا يختلف جوهرياً عما كان يقدمه الحزب الوطنى المنحل من وسائل وأساليب، إلا فى بعض التعديلات والإصلاحات التى تَردَّد معظمها حتى بين جماعات من نواب الحزب الوطنى وقياداته فى سنواته الأخيرة.
ولم يعارض الإخوان سياسة الخصخصة وإنما تحدثوا فقط عن «ترشيدها» واقتراح تبنى أشكال أخرى من الخصخصة مثل «خصخصة الإدارة» و«المشاركة»، فكان الحديث عن ترشيد سياسة الخصخصة وليس استبدالها بسياسات إنتاجية.
ولم يقدم الإخوان جديداً فيما يتعلق بالدور الاقتصادى للدولة، فقد أعاد الإخوان الحديث عن دور الدولة فى بعض المشروعات مثل تنمية سيناء وخليج السويس ومشاريع استصلاح الأراضى بالكيفية ذاتها التى كانت فى الخطط الاقتصادية لنظام مبارك؛ فدور الدولة هنا يتمثل فى «إنشاء البنية الأساسية اللازمة للمشروعات» وتشجيع الاستثمار العربى والأجنبى فى هذه المشروعات جنبًا إلى جنب مع المستثمر المصرى، ولم يأتِ برنامج الإخوان بجديد فيما يتعلق بإصلاح النظام العام للأجور، وما أورده البرنامج فى هذا السياق لا يختلف فى جوهره عما كان يتردد فى اجتماعات المجلس القومى للأجور فى عهد مبارك.
وأشار البرنامج الاقتصادى إلى تقليص هائل فى نسب البطالة وإنفاق واسع على التعليم والصحة وفى الخدمات العامة، أما التمويل فهو بالأساس عبر القطاع الخاص ويتجاهل ذلك أن العدالة الاجتماعية تقتضى تعديلاً جذرياً فى نظام الضرائب «فلا يكلمنا تفصيلاً عن إعمال الضرائب التصاعدية مثلاً»، كما تتطلب تغييراً منهجياً فى منطق عمل النظام الاقتصادى، ويعيد البرنامج إنتاج مقولات «تساقط الثمار» الذى سيحدث عندما تعمل ماكينة الأرباح بكامل طاقتها فتشد معها المجتمع بأسره، نظرية المدِّ التى تركِّز على الأغنياء بتوسيع عددهم برفع السقف الذى كان موضوعاً لإخوان الـ١٪ وغيرهم، فيرفع معه كل مراكب الفقراء وهى مقولات تسببت بفشلها فى قيام الثورة من الأساس.
وكرر البرنامج الاقتصادى للإخوان الشعارات التى كان الحزب الوطنى المنحل يرددها فيما يتعلق بتشجيع القطاع الخاص واستقطاب الاستثمار الأجنبى والقضاء على البطالة ومحاربة الفقر لجذب أصوات الناخبين وطمأنة رجال الأعمال.
ولم يختلف البرنامج الاقتصادى للإخوان فى جوهره عما كان يطرحه نظام مبارك، وإنما يضيف فقط بعض ما يمكن أن نطلق عليه «الإجراءات الاحترازية» التى تدخل فى باب إصلاح السياسة الاقتصادية السابقة أو ترشيدها، حتى فى حالة الحديث عن الدعم فقد أفاض البرنامج فى الحديث عن «ضرورة وصول الدعم إلى مستحقيه» وهى الصيغة نفسها التى كان يستخدمها صناع السياسة الاقتصادية فى النظام السابق.
ومما سبق يتبين أن التيار الإسلامى الذى تولى مقاليد السلطة فى مصر فضَّل استمرار نظام اقتصاد مبارك على نطاق واسع بالرغم من أنه مثل جميع الأطراف السياسية الأخرى تشدد على الحاجة إلى مزيد من العدالة الاجتماعية والحد من الفساد.
وفى الحقيقة لم تتحقق حتى الوعود المبدئية الخاصة بالأجور والحد من البطالة وبناء المصانع التى طرحها البرنامج خلال العام الأول من حكم الرئيس مرسى بل أعلن الحزب رسميا تعليق مشروع النهضة وأرجع ذلك للبيروقراطية والصراعات الداخلية.
وفى نهاية عام حكم الرئيس الأسبق انخفض التصنيف الائتمانى لمصر إلىCCC، وهذه المكانة المنخفضة وضعت مصر فى مكانة قبرص وأعلى من اليونان «التى أعلنت إفلاسها» بدرجة واحدة، وجاء الانخفاض فى التصنيف الائتمانى نظراً لعدم وجود التوافق المجتمعى والسياسى داخل البلاد كأحد أهم الأسباب، وهذا الانخفاض فى التصنيف الائتمانى يعنى انخفاض قدرة مصر على سداد التزاماتها الخارجية والداخلية.
ولم يكن هذا فقط ما جناه الإخوان على مصر فى الملف الاقتصادى، بل قاموا ولا يزالون بتعويقها بشتى السُبل كمحاولة حثيثة لإسقاط الدولة من خلال استهداف اقتصادها.. وهذه قصةٌ أخرى يجب أن تُروى.